الخلل في الشوكة والعصبية ثم نرجع إلى طروقه في المال والجباية واعلم أن تمهيد الدولة وتأسيسها كما قلناه إنما يكون بالعصبية وأنه لا بد من عصبية كبرى جامعة للعصائب مستتبعة لها وهي عصبية صاحب الدولة الخاصة من عشيرة وقبيلة فإذا جاءت الدولة طبيعة الملك من الترف وجدع أنوف أهل العصبية كان أول ما يجدع أنوف عشيرته وذوي قرباه المقاسمين له في اسم الملك فيستبد في جدع أنوفهم بما بلغ من سوادهم لمكانهم من الملك والعز والغلب فيحيط بهم هادمان وهما الترف والقهر ثم يصير القهر آخرا إلى القتل لما يحصل من مرض قلوبهم عند رسوخ الملك لصاحب الامر فيقلب غيرته منهم إلى الخوف على ملكه فيأخذهم بالقتل والإهانة وسلب النعمة والترف الذي تعودوا الكثير منه فيهلكون ويقلون وتفسد عصبية صاحب الدولة منهم وهي العصبية الكبرى التي كانت تجمع بها العصائب وتستتبعها فتنحل عروتها وتضعف شكيمتها وتستبدل عنها بالبطانة من موالي النعمة وصنائع الاحسان وتتخذ منهم عصبية إلا أنها ليست مثل تلك الشدة الشكيمية لفقدان الرحم والقرابة منها وقد كنا قدمنا أن شان العصبية وقوتها إنما هي بالقرابة والرحم لما جعل الله في ذلك فينفرد صاحب الدولة عن العشير والأنصار الطبيعية ويحس بذلك أهل العصائب الأخرى فيتجاسرون عليه وعلى بطانته تجاسرا طبيعيا فيهلكهم صاحب الدولة ويتبعهم بالقتل واحدا بعد واحد ويقلد الآخر من أهل الدولة في ذلك الأول مع ما يكون قد نزل بهم من مهلكة الترف الذي قدمنا فيستولي عليهم الهلاك بالترف والقتل حتى يخرجوا عن صبغة تلك العصبية ويفشوا بعزتها وثورتها ويصيروا أوجز على الحماية ويقلون لذلك فتقل الحماية التي تنزل بالأطراف والثغور فتتجاسر الرعايا على بعض الدعوة في الأطراف ويبادر الخوارج على الدولة من الأعياص وغيرهم إلى تلك الأطراف لما يرجون حينئذ من حصول غرضهم بمبايعة أهل القاصية لهم وأمنهم من وصول الحامية إليهم ولا يزال ذلك يتدرج ونطاق الدولة يتضايق حتى تصير الخوارج في أقرب الأماكن إلى مركز الدولة وربما انقسمت الدولة عند ذلك بدولتين أو ثلاث على قدر قوتها في الأصل كما قلناه ويقوم بامرها غير أهل عصبيتها لكن إذعانا لأهل عصبيتها ولغلبهم المعهود واعتبر هذا في دولة العرب في
(٢٩٥)