تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٢٤٠
مجالسهم وخصوه باسم الحاجب ولم يزل الشأن هذا إلى آخر دولتهم فارتفعت خطة الحاجب ومرتبته على سائر الرتب حتى صار ملوك الطوائف ينتحلون لقبها فأكثرهم يومئذ يسمى الحاجب كما نذكره ثم جاءت دولة الشيعة بأفريقية والقيروان وكان للقائمين بها رسوخ في البداوة فأغفلوا أمر هذه الخطط أولا وتنقيح أسمائها كما تراه في أخبار دولتهم * ولما جاءت دولة الموحدين من بعد ذاك أغفلت الامر أولا للبداوة ثم صارت إلى انتحال الأسماء والألقاب وكان اسم الوزير في مدلوله ثم اتبعوا دولة الأمويين وقلدوها في مذاهب السلطان واختاروا اسم الوزير لمن يحجب السلطان في مجلسه ويقف بالوفود والداخلين على السلطان عند الحدود في تحيتهم وخطابهم والآداب التي تلزم في الكون بين يديه ورفعوا خطة الحجابة عنه ما شاءوا ولم يزل الشأن ذلك إلى هذا العهد وأما في دولة الترك بالمشرق فيسمون هذا الذي يقف بالناس على حدود الآداب في اللقاء والتحية في مجالس السلطان والتقدم بالوفود بين يديه الدويدار ويضيفون إليه استتباع كاتب السر وأصحاب البريد المتصرفين في حاجات السلطان بالقاصية وبالحاضرة وحالهم على ذلك لهذا العهد والله مولي الأمور لمن يشاء (الحجابة) * قد قدمنا أن هذا اللقب كان مخصوصا في الدولة الأموية والعباسية بمن يحجب السلطان عن العامة ويغلق بابه دونهم أو يفتحه لهم على قدره في مواقيته وكانت هذه منزلة يوما عن الخطط مرؤوسة لها إذ الوزير متصرف فيها بما يراه وهكذا كانت سائر أيام بني العباس وإلى هذا العهد فهي بمصر مرؤوسة لصاحب الخطة العليا المسمى بالنائب * وأما في الدولة الأموية بالأندلس فكانت الحجابة لمن يحجب السلطان عن الخاصة والعامة ويكون واسطة بينه وبين الوزراء فمن دونهم فكانت في دولتهم رفيعة غاية كما تراه في أخبارهم كابن حديد وغيره من حجابهم ثم لما جاء الاستبداد على الدولة اختص المستبد باسم الحجابة لشرفها فكان المنصور بن أبي عامر وأبناؤه كذلك ولما بدوا في مظاهر الملك وأطواره جاء من بعدهم من ملوك الطوائف فلم يتركوا لقبها وكانوا يعدونه شرفا لهم وكان أعظمهم ملكا بعد انتحال ألقاب الملك وأسمائه لا بد له من ذكر الحاجب وذي الوزارتين
(٢٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 245 ... » »»