تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ٢٣٨
يستنيب في كتابته متى عن له من يحسنه وأما مدافعة ذوي الحاجات عن أبوابهم فكان محظورا بالشريعة فلم يفعلوه فلما انقلبت الخلافة إلى الملك وجاءت رسوم السلطان وألقابه كان أول شئ بدئ به في الدولة شأن الباب وسده دون الجهور بما كانوا يخشون عن أنفسهم من اغتيال الخوارج وغيرهم كما وقع بعمر وعلي ومعاوية وعمر بن العاصي وغيرهم مع ما في فتحه من ازدحام الناس عليهم وشغلهم بهم عن المهمات فاتخذوا من يقوم لهم بذلك وسموه الحاجب وقد جاء أن عبد الملك لما ولى حاجبه قال له قد وليتك حجابة بابي إلا عن ثلاثة المؤذن للصلاة فإنه داعي الله وصاحب البريد فامر ما جاء به وصاحب الطعام لئلا يفسد ثم استفحل الملك بعد ذلك فظهر المشاور والمعين في أمور القبائل والعصائب واستئلافهم وأطلق عليه اسم الوزير وبقي أمر الحسبان في الموالي والذميين واتخذ للسجلات كاتب مخصوص حوطة على أسرار السلطان أن تشتهر فتفسد سياسته مع قومه ولم يكن بمثابة الوزير لأنه إنما احتيج له من حيث الخط والكتاب لامن حيث اللسان الذي هو الكلام إذ اللسان لذلك العهد على حاله لم يفسد فكانت الوزارة لذلك أرفع رتبهم يومئذ في سائر دولة بني أمية فكان النظر للوزير عاما في أحوال التدبير والمفاوضات وسائر أمور الحمايات والمطالبات وما يتبعها من النظر في ديوان الجند وفرض العطاء بالأهلية وغير ذلك فلما جاءت دولة بني العباس واستفحل الملك وعظمت مراتبه وارتفعت وعظم شأن الوزير وصارت إليه النيابة في إنفاذ الحل والعقد تعينت مرتبته في الدولة وعنت لها الوجوه وخضعت لها الرقاب وجعل لها النظر في ديوان الحسبان لما تحتاج إليه خطته من قسم الأعطيات في الجند فاحتاج إلى النظر في جمعه وتفريقه وأضيف إليه النظر فيه ثم جعل له النظر في القلم والترسيل لصون أسرار السلطان ولحفظ البلاغة لما كان اللسان قد فسد عند الجمهور وجعل الخاتم لسجلات السلطان ليحفظها من الذياع والشياع ودفع إليه فصار اسم الوزير جامعا لخطتي السيف والقلم وسائر معاني الوزارة والمعاونة حتى لقد دعي جعفر بن يحيى بالسلطان أيام الرشيد إشارة إلى عموم نظره وقيامه بالدولة ولم يخرج عنه من الرتب السلطانية كلها إلا الحجابة التي هي القيام على الباب فلم تكن له لاستنكافه عن مثل ذلك ثم جاء في
(٢٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 233 234 235 236 237 238 239 240 241 242 243 ... » »»