أمور جباية المال وإنفاقه وضبط ذلك من جميع وجوهه أن يكون بمضبطة وصاحب هذا هو صاحب المال والجباية وهو المسمى بالوزير لهذا العهد بالمشرق وإما أن يكون في مدافعة الناس ذوي الحاجات عنه أن يزدحموا عليه فيشغلوه عن فهمه وهذا راجع لصاحب الباب الذي يحجبه فلا تعدو أحواله هذه الأربعة بوجه وكل خطة أو رتبة من رتب الملك والسلطان فإليها يرجع إلا أن الا رفع منها ما كانت الإعانة فيه عامة فيما تحت يد السلطان من ذلك الصنف إذ هو يقتضي مباشرة السلطان دائما ومشاركته في كل صنف من أحوال ملكه وأما ما كان خاصا ببعض الناس أو ببعض الجهات فيكون دون الرتبة الأخرى كقيادة ثغر أو ولاية جباية خاصة أو النظر في أمر خاص كحسبة الطعام أو النظر في السكة فإن هذه كلها نظر في أحوال خاصة فيكون صاحبها تبعا لأهل النظر العام وتكون رتبته مرؤوسة لأولئك وما زال الامر في الدول قبل الاسلام هكذا حتى جاء الاسلام وصار الامر خلافة فذهبت تلك الخطط كلها بذهاب رسم الملك إلى ما هو طبيعي من المعاونة بالرأي والمفاوضة فيه فلم يمكن زواله إذ هو أمر لا بد منه فكان صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه ويفاوضهم في مهماته العامة والخاصة ويخص مع ذلك أبا بكر بخصوصيات أخرى حتى كان العرب الذين عرفوا الدول وأحوالها في كسرى وقيصر والنجاشي يسمون أبا بكر وزيره ولم يكن لفظ الوزير يعرف بين المسلمين لذهاب رتبة الملك بسذاجة الاسلام وكذا عمر مع أبي بكر وعلي وعثمان مع عمر وأما حال الجباية والانفاق والحسبان فلم يكن عندهم برتبة لان القوم كانوا عربا أميين لا يحسنون الكتاب والحساب فكانوا يستعملون في الحساب أهل الكتاب أو أفرادا من موالي العجم ممن يجيده وكان قليلا فيهم وأما أشرافهم فلم يكونوا يجيدونه لان الأمية كانت صفتهم التي امتازوا بها وكذا حال المخاطبات وتنفيذ الأمور لم تكن عندهم رتبة خاصة للأمية التي كانت فيهم والأمانة العامة في كتمان القول وتأديته ولم تخرج السياسة إلى اختياره لان الخلافة إنما هي دين ليست من السياسة الملكية في شئ وأيضا فلم تكن الكتابة صناعة فيستجاد لخليفة أحسنها لان الكل كانوا يعبرون عن مقاصدهم بأبلغ العبارات ولم يبق إلا الخط فكان الخليفة
(٢٣٧)