أن حظ السلطان من الملك إنما هو جلوس السرير وإعطاء الصفقة وخطاب التهويل والقعود مع النساء خلف الحجاب وأن الحل والربط والامر والنهي ومباشرة الأحوال الملوكية وتفقدها من النظر في الجيش والمال والثغور إنما هو للوزير ويسلم له في ذلك إلى أن تستحكم له صبغة الرئاسة والاستبداد ويتحول الملك إليه ويؤثر به عشيرته وأبناءه من بعده كما وقع لبني بويه والترك وكافور الإخشيدي وغيرهم بالمشرق وللمنصور بن أبي عامر بالأندلس وقد يتفطن ذلك المحجور المغلب لشأنه فيحاول على الخروج من ربقة الحجر والاستبداد ويرجع الملك إلى نصابه ويضرب على أيدي المتغلبين عليه إما بقتل أو برفع عن الرتبة فقط إلا أن ذلك في النادر الأقل لان الدولة إذا أخذت في تغلب الوزراء والأولياء استمر لها ذلك وقل أن تخرج عنه لان ذلك إنما يوجد في الأكثر عن أحوال الترف ونشأة أبناء الملك منغمسين في نعيمه قد نسوا عهد الرجولة وألفوا أخلاق الدايات والأظئار وربوا عليها فلا ينزعون إلى رئاسة ولا يعرفون استبدادا من تغلب إنما همهم في القنوع بالأبهة والتنفس في اللذات وأنواع الترف وهذا التغلب يكون للموالي والمصطنعين عند استبداد عشير الملك على قومهم وانفرادهم به دونهم وهو عارض للدولة ضروري كما قدمناه وهذان مرضان لا برء للدولة منهما إلا في الأقل النادر والله يؤتي ملكه من يشاء وهو على كل شئ قدير الفصل الثاني والعشرون في أن المتغلبين على السلطان لا يشاركونه في اللقب الخاص بالملك وذلك أن الملك والسلطان حصل لأوليه مذ أول الدولة بعصبية قومه وعصبيته التي استتبعتهم حتى استحكمت له ولقومه صبغة الملك والغلب وهي لم تزل باقية وبها انحفظ رسم الدولة وبقاؤها وهذا المتغلب وإن كان صاحب عصبية من قبيل الملك أو الموالي والصنائع فعصبيته مندرجة في عصبية أهل الملك وتابعة لها وليس له صبغة في الملك وهو لا يحاول في استبداده انتزاع ثمراته من الأمر والنهي والحل والعقد والابرام والنقض يوهم فيها أهل الدولة أنه متصرف عن سلطانه منفذ في ذلك من وراء الحجاب لاحكامه فهو يتجافى عن سمات الملك وشاراته
(١٨٦)