تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ١٧٨
ان الحر هو الضوء وأن الضوء فيما قرب من الأرض أكثر لانعكاس الأشعة من سطح الأرض بمقابلة الأضواء فتتضاعف الحرارة هنا لاجل ذلك وإذا تجاوزت مطارح الأشعة المنعكسة فلا حر هنالك بل يكون فيه البرد حيث مجاري السحاب وأن الشمس في نفسها لا حارة ولا باردة وإنما هي جسم بسيط مضئ لا مزاج له وكذلك عوج بن عناق هو فيما ذكروه من العمالقة أو من الكنعانيين الذين كانوا فريسة بني إسرائيل عند فتحهم الشام وأطوال بني إسرائيل وجسمانهم لذلك العهد قريبة من هياكلنا يشهد لذلك أبواب بيت المقدس فإنها وإن خربت وجددت لم تزل المحافظة على أشكالها ومقادير أبوابها وكيف يكون التفاوت بين عوج وبين أهل عصره بهذا المقدار وإنما مثار غلطهم في هذا أنهم استعظموا آثار الأمم ولم يفهموا حال الدول في الاجتماع والتعاون وما يحصل بذلك وبالهندام من الآثار العظيمة فصرفوه إلى قوة الأجسام وشدتها بعظم هياكلها وليس الامر كذلك وقد زعم المسعودي ونقله عن الفلاسفة مزعما لا مستند له إلا التحكم وهو أن الطبيعة التي هي جبلة للأجسام لما برأ الله الخلق كانت في تمام الكرة ونهاية القوة والكمال وكانت الأعمار أطول والأجسام أقوي لكمال تلك الطبيعة فإن طروء الموت إنما هو بانحلال القوى الطبيعية فإذا كانت قوية كانت الأعمار أزيد فكان العالم في أولية نشأته تام الأعمار كامل الأجسام ثم لم يزل يتناقص لنقصان المادة إلى أن بلغ إلى هذه الحال التي هو عليها ثم لا يزال يتناقص إلى وقت الانحلال وانقراض العالم وهذا رأي لا وجه له إلا التحكم كما تراه وليس له علة طبيعية ولا سبب برهاني ونحن نشاهد مساكن الأولين وأبوابهم وطرقهم فيما أحدثوه من البنيان والهياكل والديار والمساكن كديار ثمود المنحوتة في الصلد من الصخر بيوتا صغارا وأبوابها ضيقة وقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى أنها ديارهم ونهى عن استعمال مياههم وطرح ما عجن به وأهرق وقال لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم ما أصابهم وكذلك أرض عاد ومصر والشام وسائر بقاع الأرض شرقا وغربا والحق ما قررناه ومن آثار الدول أيضا حالها في الأعراس والولائم كما ذكرناه في وليمة بوران وصنيع الحجاج وابن ذي النون وقد مر
(١٧٨)
مفاتيح البحث: الشام (2)، الشهادة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 ... » »»