ذلك لجميعهم لما هم عليه من الكثرة التي يضيق عنها نطاق المزاحمة والغيرة التي تجدع أنوف كثير من المتطاولين للرتبة فإذا تعين أولئك القائمون بالدولة انغمسوا في النعيم وغرقوا في بحر الترف والخصب واستعبدوا إخوانهم من ذلك الجيل وأنفقوهم في وجوه الدولة ومذاهبها وبقي الذين بعدوا عن الامر وكبحوا عن المشاركة في ظل من عز الدولة التي شاركوها بنسبهم وبمنجاة من الهرم لبعدهم عن الترف وأسبابه فإذا استولت على الأولين الأيام وأباد غضراءهم الهرم فطبختهم الدولة وأكل الدهر عليهم وشرب بما أرهف النعيم من حدهم واستقت غريزة الترف من مائهم وبلغوا غايتهم من طبيعة التمدن الانساني والتغلب السياسي (شعر) كدود القز ينسج ثم يفنى * بمركز نسجه في الانعكاس كانت حينئذ عصبية الآخرين موفورة وسورة غلبهم من الكاسر محفوظة وشارتهم في الغلب معلومة فتسمو آمالهم إلى الملك الذي كانوا ممنوعين منه بالقوة الغالبة من جنس عصبيتهم وترتفع المنازعة لما عرف من غلبهم فيستولون على الامر ويصير إليهم وكذا يتفق فيهم مع من بقي أيضا منتبذا عنه من عشائر أمتهم فلا يزال الملك ملجئا في الأمة إلى أن تنكسر سورة العصبية منها أو يفنى سائر عشائرها سنة الله في الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين واعتبر هذا بما وقع في العرب لما انقرض ملك عاد قام به من بعدهم إخوانهم من ثمود ومن بعدهم إخوانهم العمالقة ومن بعدهم إخوانهم من حمير أيضا ومن بعدهم إخوانهم التبابعة من حمير أيضا ومن بعدهم الأذواء كذلك ثم جاءت الدولة لمضر وكذا الفرس لما انقرض أمر الكينية ملك من بعدهم الساسانية حتى تأذن الله بانقراضهم أجمع بالاسلام وكذا اليونانيون انقرض أمرهم وانتقل إلى إخوانهم من الروم وكذا البربر بالمغرب لما انقرض أمر مغراوة وكتامة الملوك الأول منهم رجع إلى صنهاجة ثم الملثمين من بعدهم ثم من بقي من شعوب زناتة وهكذا سنة الله في عباده وخلقه وأصل هذا كله إنما يكون بالعصبية وهي متفاوتة في الأجيال والملك يخلقه الترف ويذهبه كما سنذكره بعد فإذا انقرضت دولة فإنما يتناول الامر منهم من له عصبية مشاركة لعصبيتهم التي عرف لها التسليم والانقياد وأونس منها الغلب لجميع العصبيات وذلك إنما يوجد
(١٤٦)