تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ١٠٢
الدالة على مثل تلك الطبيعة فلا يوجد منها شئ بعد وهذا بناء على أن بعض الوضع الفلكي يقتضي بعض أثره وهو غير مسلم فلعل الوضع إنما يقتضي ذلك الأثر بهيئته الخالصة ولو نقص بعض أجزائها فلا يقتضي شيئا لا إنه يقتضي ذلك الأثر ناقصا كما قالوه ثم إن هؤلاء الكهان إذا عاصروا زمن النبوءة فإنهم عارفون بصدق النبي ودلالة معجزته لان لهم بعض الوجدان من أمر النبوءة كما لكل انسان من أمر اليوم ومعقوبية تلك النسبة موجودة للكاهن بأشد مما للنائم ولا يصدهم عن ذلك ويوقعهم في التكذيب إلا قوة المطامع في أنها نبؤة لهم فيقعون في العناد كما وقع لامية بن أبي الصلت فإنه كان يطمع أن يتنبأ وكذا وقع لابن صياد ولمسيلمة وغيرهم فإذا غلب الايمان وانقطعت تلك الأماني آمنوا أحسن إيمان كما وقع لطليحة الأسدي وسواد بن قارب وكان لهما في الفتوحات الاسلامية من الآثار الشاهدة بحسن الايمان. وأما الرؤيا فحقيقتها مطالعة النفس الناطقة في ذاتها الروحانية لمحة من صور الواقعات فإنها عندما تكون روحانية تكون صور الواقعات فيها موجودة بالفعل كما هو شأن الذوات الروحانية كلها وتصير روحانية بأن تتجرد عن المواد الجسمانية والمدارك البدنية وقد يقع لها ذلك لمحة بسبب النوم كما نذكر فتقتبس بها علم ما تتشوف إليه من الأمور المستقبلة وتعود به إلى مداركها فإن كان ذلك الاقتباس ضعيفا وغير جلي بالمحاكاة والمثال في الخيال لتخلصه فيحتاج من أجل هذه المحاكاة إلى التعبير وقد يكون الاقتباس قويا يستغنى فيه عن المحاكاة فلا يحتاج إلى تعبير لخلوصه من المثال والخيال والسبب في وقوع هذه اللمحة للنفس أنها ذات روحانية بالقوة مستكملة بالبدن ومداركه حتى تصير ذاتها تعقلا محضا ويكمل وجودهما بالفعل فتكون حينئذ ذاتا روحانية مدركة بغير شئ من الآلات البدنية إلا أن نوعها في الروحانيات دون نوع الملائكة أهل الأفق الأعلى على الذين لم يستكملوا ذواتهم بشئ من مدارك البدن ولا غيره فهذا الاستعداد حاصل لها ما دامت في البدن ومنه خاص كالذي للأولياء ومنه عام للبشر على العموم وهو أمر الرؤيا. وأما الذي للأنبياء فهو استعداد بالانسلاخ من البشرية إلى الملكية المحضة التي هي أعلى الروحانيات ويخرج هذا الاستعداد فيهم متكررا في حالات الوحي وهو عندما
(١٠٢)
مفاتيح البحث: النوم (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 ... » »»