تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ١٠١
المخصوصون باسم الكهان لأنهم أرفع سائر أصنافهم وقد قال صلى الله عليه وسلم في مثله هذا من سجع الكهان فجعل السجع مختصا بهم بمقتضى الإضافة وقد قال لابن صياد حين سأله كاشفا عن حاله بالاخبار كيف يأتيك هذا الامر قال يأتيني صادقا وكاذبا فقال خلط عليك الامر يعني أن النبوءة خاصتها الصدق فلا يعتريها الكذب بحال لأنها اتصال من ذات النبي بالملا الأعلى من غير مشيع ولا استعانة بأجنبي والكهانة لما احتاج صاحبها بسبب عجزه إلى الاستعانة بالتصورات الأجنبية كانت داخلة في إدراكه والتبست بالادراك الذي توجه إليه فصار مختلطا بها وطرقه الكذب من هذه الجهة فامتنع أن تكون نبؤة وإنما قلنا إن أرفع مراتب الكهانة حالة السجع لان معنى السجع أخف من سائر المغيبات من المرئيات والمسموعات وتدل خفة المعنى على قرب ذلك الاتصال والادراك والبعد فيه عن العجز بعض الشئ وقد زعم بعض الناس أن هذه الكهانة قد انقطعت منذ زمن النبوءة بما وقع من شأن رجم الشياطين بالشهب بين يدي البعثة وأن ذلك كان لمنعهم من خير السماء كما وقع في القرآن والكهان إنما يتعرفون أخبار السماء من الشياطين فبطلت الكهانة من يومئذ ولا يقوم من ذلك دليل لان علوم الكهان كما تكون من الشياطين تكون من نفوسهم أيضا كما قررناه وأيضا فالآية إنما دلت على منع الشياطين من نوع واحد من أخبار السماء وهو ما يتعلق بخبر البعثة ولم يمنعوا مما سوى ذلك وأيضا فإنما كان ذلك الانقطاع بين يدي النبوءة فقط ولعلها عادت بعد ذلك إلى ما كانت عليه وهذا هو الظاهر لان هذه المدارك كلها تخمد في زمن النبوءة كما تخمد الكواكب والسرج عند وجود الشمس لان النبوءة هي النور الأعظم الذي يخفى معه كل نور ويذهب. وقد زعم بعض الحكماء أنها إنما توجد بين يدي النبوءة ثم تنقطع وهكذا كل نبؤة وقعت لان وجود النبوءة لابد له من وضع فلكي يقتضيه وفي تمام ذلك الوضع تمام تلك النبوءة التي دل عليها ونقص ذلك الوضع عن التمام يقتضي وجود طبيعة من ذلك النوع الذي يقتضيه ناقصة وهو معنى الكاهن على ما قررناه فقبل أن يتم ذلك الوضع الكامل يقع الوضع الناقص ويقتضي وجود الكاهن إما واحدا أو متعددا فإذا تم ذلك الوضع تم وجود النبي بكماله وانقضت الأوجاع
(١٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 ... » »»