أخلاقهم من الصبر والاحتمال والقدرة على حمل الاثقال الموجود ذلك للإبل وتنشأ أمعاؤهم أيضا على نسبة أمعاء الإبل في الصحة والغلظ فلا يطرقها الوهن ولا ينالها من مدار الأغذية ما ينال غيرهم فيشربون اليتوعات لاستطلاق بطونهم غير محجوبة كالحنظل قبل طبخه والدرياس والقربيون ولا ينال أمعاءهم منها ضرر وهي لو تناولها أهل الحضر الرقيقة أمعاؤهم بما نشأت عليه من لطيف الأغذية لكان الهلاك أسرع إليهم من طرفة العين لما فيها من السمية ومن تأثير الأغذية في الأبدان ما ذكره أهل الفلاحة وشاهده أهل التجربة أن الدجاج إذا غذيت بالحبوب المطبوخة في بعر الإبل واتخذ بيضها ثم حضنت عليه جاء الدجاج منها أعظم ما يكون وقد يستغنون عن تغذيتها وطبخ الحبوب بطرح ذلك البعر مع البيض المحضن فيجئ دجاجها في غاية العظم وأمثال ذلك كثيرة فإذا رأينا هذه الآثار من الأغذية في الأبد ان فلا شك أن للجوع أيضا آثارا في الأبدان لان الضدين على نسبة واحدة في التأثير وعدمه فيكون تأثير الجوع في نقاء الأبدان من الزيادات الفاسدة والرطوبات المختلطة المخلة بالجسم والعقل كما كان الغذاء مؤثرا في وجود ذلك الجسم والله محيط بعلمه المقدمة السادسة في أصناف المدركين من البشر بالفطرة أو الرياضة ويتقدمه الكلام في الوحي والرؤيا إعلم أن الله سبحانه اصطفى من البشر أشخاصا فضلهم بخطابه وفطرهم على معرفته وجعلهم وسائل بينهم وبين عباده يعرفونهم بمصالحهم ويحرضونهم على هدايتهم ويأخذون بحجزانهم عن النار ويدلونهم على طريق النجاة وكان فيما يلقيه إليهم من المعارف ويظهره على ألسنتهم من الخوارق والاخبار الكائنات المغيبة عن البشر التي لا سبيل إلى معرفتها إلا من الله بوساطتهم ولا يعلمونها إلا بتعليم الله إياهم قال صلى الله عليه وسلم ألا وأني لا أعلم إلا ما علمني الله واعلم أن خبرهم في ذلك من خاصيته وضرورته الصدق لما يتبين لك عند بيان حقيقة النبوءة وعلامة هذا الصنف
(٩١)