له في يقظته مرارا غير واحدة وحصل له على القطع أن النفس مدركة للغيب في النوم ولا بد وإذا جاز ذلك في عالم النوم فلا يمتنع في غيره من الأحوال لان الذات المدركة واحدة وخواصها عامة في كل حال والله الهادي إلى الحق بمنه وفضله فصل * ووقوع ما يقع للبشر من ذلك غالبا إنما هو من غير قصد ولا قدرة عليه وإنما تكون النفس متشوفة لذلك الشئ فيقع لها بتلك اللمحة في النوم لأنها تقصد إلى ذلك فتراه وقد وقع في كتاب الغاية وغيره من كتب أهل الرياضيات ذكر أسماء تذكر عند النوم فتكون عنها الرؤيا فيما يتشوف إليه ويسمونها الحالومية وذكر منها مسلمة في كتاب الغاية حالومة سماها حالومة الطباع التام وهو أن يقال عند النوم بعد فراغ السر وصحة التوجه هذه الكلمات الأعجمية وهي تماغس بعد أن يسواد وغداس نوفنا غادس ويذكر حاجته فإنه يرى الكشف عما يسأل عنه في النوم * وحكي إن رجلا فعل ذلك بعد رياضة ليال في مأكله وذكره فتمثل له شخص يقول له أنا طباعك التام فسأله وأخبره عما كان يتشوف إليه وقد وقع لي أنا بهذه الأسماء مراء عجيبة واطلعت بها على أمور كنت أتشوف عليها من أحوالي وليس ذلك بدليل على أن القصد للرؤيا يحدثها وإنما هذه الحالومات تحدث استعدادا في النفس لوقوع الرؤيا فإذا قوي الاستعداد كان أقرب إلى حصول ما يستعد له وللشخص أن يفعل من الاستعداد ما أحب ولا يكون دليلا على إيقاع المستعد له فالقدرة على الاستعداد غير القدرة على الشئ فاعلم ذلك وتدبره فيما تجد من أمثاله والله الحكيم الخبير فصل * ثم إنا نجد في النوع الانساني أشخاصا يخبرون بالكائنات قبل وقوعها بطبيعة فيهم يتميز بها صنفهم عن سائر الناس ولا يرجعون في ذلك إلى صناعة ولا يستدلون عليه بأثر من النجوم ولا من غيرها إنما نجد مداركهم في ذلك بمقتضى فطرتهم التي فطروا عليها وذلك مثل العرافين والناظرين في الأجسام الشفافة كالمرايا وطساس الماء والناظرين في قلوب الحيوانات وأكبادها وعظامها وأهل الزجر في الطير والسباع وأهل الطرق بالحصى والحبوب من الحنطة والنوى وهذه كلها موجودة في عالم الانسان لا يسع أحدا جحدها ولا إنكارها وكذلك المجانين يلقى على ألسنتهم
(١٠٥)