تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ١ - الصفحة ١١٢
إن شاء الله وهو لو ثبت فغايته حدس وتخمين وليس مما ذكرناه في شئ. ومن هؤلاء قوم من العامة استنبطوا لاستخراج الغيب وتعرف الكائنات صناعة سموها خط الرمل نسبة إلى المادة التي يضعون فيها عملهم ومحصول هذه الصناعة أنهم صيروا من النقط أشكالا ذات أربع مراتب تختلف باختلاف مراتبها في الزوجية والفردية واستوائها فيهما فكانت ستة عشر شكلا لأنها إن كانت أزواجا كلها أو أفرادا كلها فشكلان وإن كان الفرد فيهما في مرتبة واحدة فقط فأربعة أشكال وإن كان الفرد في مرتبتين فستة أشكال وإن كان في ثلاث مراتب فأربعة أشكال جاءت ستة عشر شكلا ميزوها كلها بأسمائها وأنواعها إلى سعود ونحوس شأن الكواكب وجعلوا لها ستة عشر بيتا طبيعية بزعمهم وكأنها البروج الاثنا عشر التي للفلك والأوتاد الأربعة وجعلوا لكل شكل منها بيتا وخطوطا ودلالة على صنف من موجودات عالم العناصر يختص به واستنبطوا من ذلك فنا حاذوا به فن النجامة ونوع فضائه إلا أن أحكام النجامة مستندة إلى أوضاع طبيعية كما يزعم بطليموس وهذه إنما مستندها أوضاع تحكيمية وأهواء اتفاقية ولا دليل يقوم على شئ منها ويزعمون أن أصل ذلك من النبوءات القديمة في العالم وربما نسبوها إلى دانيال أو إلى إدريس صلوات الله عليهما شأن الصنائع كلها وربما يدعون مشروعيتها ويحتجون يقوله صلى الله عليه وسلم كان نبي يخط فمن وافق خطه فذاك وليس في الحديث دليل على مشروعية خط الرمل كما يزعمه بعض من لا تحصيل لديه لان معنى الحديث كان نبي يخط فيأتيه الوحي عند ذلك الخط ولا استحالة في أن يكون ذلك عادة لبعض الأنبياء فمن وافق خطه ذلك النبي فهو ذاك أي فهو صحيح من بين الخط بما عضده من الوحي لذلك النبي الذي كانت عادته أن يأتيه الوحي عند الخط وأما إذا أخذ ذلك من الخط مجردا من غير موافقة وحي فلا وهذا معنى الحديث والله أعلم. فإذا أرادوا استخراج مغيب بزعمهم عمدوا إلى قرطاس أو رمل أو دقيق فوضعوا النقط سطورا على عدد المراتب الأربع ثم كرروا ذلك أربع مرات فتجئ ستة عشر سطرا ثم يطرحون النقط أزواجا ويضعون ما بقي من كل سطر زوجا كان أو فردا في مرتبته على الترتيب فتجئ أربعة أشكال يضعونها في سطر متتالية ثم يولدون منها
(١١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 ... » »»