* مظفر النصر مبعوث بهمته * إلى العزائم مدلول على الغلب * * والدهر بالقدر المحتوم يخدمه * والأرض بالخلق والأفلاك بالشهب * * ويجتلي الخلق من راياته أبدا * مبيضة النصر من مصفرة العذب * * إن العواصم كانت أي عاصمة * معصومة بتعاليها عن الرتب * * ما دار قط عليها دور دائرة * كلا ولا واصلتها نوبة النوب * * لو رامها الدهر لم يظفر ببغيته * ولو رماها بقوس الأفق لم يصب * * ولو أتى أسد الأبراج منتصرا * خارت قوائمه عنها ولم يثب * * جليسه النجم في أعلى منازله * وطالما غاب عنها وهي لم تغب * * تلقى إذا عطشت والبرق أرشية * كواكب الدلو في بئر من السحب * * كل القلاع تروم السحب في صعد * إلا العواصم تبغي السحب في صبب * * حتى أتى من منال النجم مطلبه * يا طالب النجم قد أوغلت في الطلب * * من لو أبى الفلك الدوار طاعته * لصير الرأس منه موضع الذنب * * أتى إليها يقود البحر ملتطما * والبيض كالموج والبيضات كالحبب * * تبدو الفوارس فيها في سوابغها * بين النقيضين من ماء ومن هب * * مستلئمين ولولا أنهم حفظوا * عوائد الحرب لاستغنوا عن اليلب * * جمالهم في مغازيهم إذا قفلوا * حمالة السبي لا حمالة الحطب * * فطاف منها بركن لا يقبله * إلا أسنة أطراف القنا السلب * * وحل من حولها الأقصى على فلك * ودار من برجها الأعلى على قطب * * ومانعته كمعشوق تمتعه * أشهى من الشهد أو أحلى من الضرب * * فمر عنها بلا غيظ ولا حنق * وسار عنها بلا حقد ولا غضب * * تطوي البلاد وأهليها كتائبه * طيا كما طوت الكتاب للكتب * * وافى الفرات فألقى فيه ذا لجب * يظل يهزأ من تياره اللجب * * رمت به الجرد في التيار أنفسها * فعومها فيه كالتقريب والخبب * * لم ترض بالسفن أن تغدو حواملها * فعزها ليس يرضي ذلة الخشب * * وكان علمها قطع الفرات به * تعلم العوم في بحر الدم السرب * * وجاوزته وأبقى من فواقعه * درا ترصع فوق العرف واللبب *
(٦٤)