السرور العظيم للفريقين وقد علم الله أن ذلك بغير رضى السلطان وكانت المصلحة في ذلك لأنه توفي عقيب ذلك ثم إنه أعطى النجدات دستورا إلى بلادهم وعزم السلطان على الحج وأقام بالقدس يتأهب للمسير إلى مصر وأقام لعمارة البيمارستان والمدرسة ثم تفقد البلاد والقلاع البحرية ودخل دمشق بكرة الأربعاء سادس عشر شوال وفيها أولاده الأفضل والظاهر والظافر المشمر وأولاده الصغار وجلس يوم الخميس سابع عشرين شوال بكرة النهار وأنشده الشعراء وبل الناس شوقهم منهم ولم يتخلف أحد من الخاص ولا العام عنه وكشف مظالم الرعايا وأنعم على الناس ولما كان يوم الاثنين مستهل ذي القعدة عمل الأفضل للظاهر دعوة وحضرها السلطان واحتفل الأفضل بها وكان يوما مشهودا وعاد العادل بعدما تصفح أحوال الكرك بقصد البلاد الفراتية وخرج السلطان إلى لقائه ودخلا حادي عشر الحجة إلى دمشق وانشرح السلطان بدمشق وتفرج بها وتصيد وروح بدنه وقبله من الجهاد والسهر والتعب ونسي عزمه إلى مصر ثم إنه ركب يتلقى الحاج خامس عشر صفر سنة تسع وثمانين وكان ذلك آخر ركوبه فلما كان ليلة السبت وجد كسلا وما انتصف الليل حتى غشيته حمى صفراوية وقصد في الرابع واشتد مرضه وقلت رطوبات بدنه وكان يغلب اليبس على مزاجه واشتد المرض في السابع والثامن وحدث له غشي في التاسع وامتنع من المشروب وحقن في العاشر دفعتين ثم إنه اشتد به المرض وشرع الأفضل في تحليف الناس له وتوفي صلاة الصبح يوم الأربعاء سابع وعشرين صفر سنة تسع وثمانين وخمس مائة كما تقدم قال ابن الأثير عز الدين ومن عجيب ما يحكى من التطير أن السلطان لما برز من القاهرة أقام لتجتمع العساكر وعنده الأعيان من الدولة والعلماء والأدباء وأخذ كل واحد يقول شيئا في الوداع وفي الفراق وفي الحاضرين معلم أولاده فأخرج رأسه من بين الحاضرين وأنشد (من الوافر) * تمتع من شميم عرار نجد * فما بعد العشية من عرار * فانقبض السلطان والناس وتطيروا من ذلك وكان الأمر كذلك لم يعد إلى مصر بعد واشتغل بالبلاد الشرقية وفتوح القدس والساحل رحمه الله تعالى ورضي عنه
(٥٩)