وصورت في جوانب الناووس صورته وزير عليها ذكر السنين التي غزا فيها والبلدان التي فتحها، والمرأة التي غلبها، وسدوا باب الناووس، وزبروا اسمه ومدته عليه وتاريخ موته.
وكان جميلا سمح الأخلاق، وقتل جماعة من نسائه أنفسهن عليه واغتم عليه الكهنة لا تباعه دينهم.
وملك بعده ابنه كلكلن الملك فعقد تاج الملك بعد موت أبيه بالإسكندرية وأقام بها شهرين، ورجع إلى منف، وكان على دين أبيه فاستبشر به أهل مصر لأنه كان يحب الكهنة وإظهار العجائب ويقرب أهلها ويكثر جوائزهم.
ولم يزل يعمل طول عمره فخزن أموالا عظيمة، ودفن منها بصحراء الغرب ما لا يوصف كثرة.
وهو أول من أظهر صنع الكيمياء بمصر، وكانت مكتومة (وكان يطرح المثقال الواحد على القناطير من النحاس الكثيرة، فيصنعها بإذن الله تعالى ذهبا) (1) وكان الملوك قبله رأوا كتم عملها لئلا يجتمع عليها ملوك الأمم، فترك كلكلن ذلك الرأي وعمل الكيمياء وملا دور الحكمة منها حتى لم يكن الذهب قط أكثر منه في أيامه، ولا الخراج لأنه بلغ وقته فيما حكاه بعض القبط مائة ألف ألف وسبعة عشر ألف ألف، واستغنوا في وقته عن إثارة المعادن لقلة حاجتهم إليها، وعمل أيضا من الحجارة المسبوكة الضم الملون الذي ينشف شيئا كثيرا (وعمل أيضا حجارة شفافة ملونة من الفيروزج والشيم والزبرجد وغيرها) (1).
وتحكي القبط أنه اخترع أشياء تخرج عن العقل حتى سمعته (الحكماء) (1) حكيم الملوك، وغلب جميع الكهنة في علمهم وكان يخبرهم بما يغيب عنهم فخافوه واحتاجوا إلى علمه.