واستحضر الملك ذلك الرجل الذي وجد حيا فاستخبره عن أحاديثهم، فحدثه بأشياء معجبة، ثم قال:
وأعجب ما رأيت منهم أنه قصد المدينة منذ دهر ملك من ملوك البربر جبار من أهل بيت تجبر، فجاء بجموع كثيرة وجيوش كثيفة وتخاييل هائلة فأغلق أهل مدينتنا حصنهم، ورتبوا المراهقين على أسوارها ولجأوا إلى أصنامهم وشيوخهم وكهنتهم يخضعون لها ويتضرعون إليها. وكان لهم كاهن عظيم الشأن لا يكاد أن يخرج من منزله، فسار إليه رؤساؤهم، وشكوا إليه ما دهاهم من عدوهم، فخرج معهم إلى بركة لهم عظيمة بعيدة القعر، كانوا يشربون منها الماء، فجلس على حافتها، وأحاط الكهنة بها، وأقبل يزمزم على ماء البركة، فلم يزل كذلك حتى فاض الماء وفار، وخرج من وسطه نار تتأجج وخرج من وسطها وجه كدائرة الشمس وعلى ضوئها فخرت الجماعة سجودا لذلك الوجه وجللهم نوره، وجعل يعزم حتى ملا البركة وارتفع حتى صعد على أعلى القبة ثم ارتفع إلى السماء فسمعوه يقول قد كفيناكم أمر عدوكم، فاخرجوا فخذوا أموالهم. فخرجنا بأجمعنا متخوفين حتى وصلنا مضربهم، فوجدناهم أمواتا لم يبق منهم حي، فأخذنا جميع ما تركوه من مال وثياب ودواب، وآلة وانصرف أهل المدينة إلى مدينتهم فرحين، وكانوا يأكلون ويشربون، فقلت لبعض الكهنة لقد رأيت عجبا من ذلك الوجه فما هو؟
قال ملك الشمس تبدت فماتوا عن آخرهم كما رأيت، قال له الملك فما الذي أهلكهم الآن؟ قال لا أدري، غير أني أفقت من نومي في الليل فسمعت هدة عظيمة إذ تهدم الحصن فأردت الخروج ولا علم لي بذلك فإذا بأصوات أنكرتها وضوء نار وروائح حريق، وكنت ساكنا في موضع كالخان فيه خلق كثير، فصحت بكثير منهم فلم يستجب لي أحد، فسرت أفتقد باب المنزل فوجدته