ثم جعل فيه آلات يعلم بها، ويعقل بها، ويدرك بها، ويفهم، ففضل الناس بعضهم بعضا بالعلم والعقل والفهم.
وقد زعم علماء من علماء الهند انه لما ملكت حوسر بنت بلهيت خرج عليها خارجي، وكانت جارية عاقلة، فوجهت ابنا لها، وكان لها أربعة أولاد، فقتل ذلك الخارجي ابنها، فعظم ذلك أهل مملكتها، وأشفقوا من إخبارها، فاجتمعوا على حكيم من حكمائهم يقال له قفلان، وكان ذا حكمة وفطنة ورأي، فذكروا ذلك له، فقال: أنظروني ثلاثا! ففعلوا ذلك، وخلا مفكرا، ثم قال لتلميذ له: أحضرني نجارا وخشبا من لونين مختلفين، أبيض وأسود، فأحضره نجارا فارها، وخشبا من لونين مختلفين، أبيض وأسود، فصور صورة الشطرنج، وأمر النجار، فنجرها، ثم قال له: أحضرني جلدا مدبوغا!
فأمره أن يخط فيه أربعة وستين بيتا، ففعل ذلك، فنصب ناحية، ثم تجاولا حتى فهماها وأحكماها، ثم قال لتلميذه: هذه حرب بلا ذهاب أنفس.
ثم حضره أهل المملكة، فأخرجها لهم، فلما رأوها علموا أنها حكمة لا يهتدي لها أحد، وجعل يجاول تلميذه، فيقع شاه مات، وشاه غلب، فأخبرت الملكة بخبر قفلان، فأحضرته، وأمرته أن يريها حكمته، فأحضر تلميذه، ومعه الشطرنج، فنصبها بينه وبينه، فلعبا فغلب أحدهما صاحبه، فقال: شاه مات! فانتبهت، وعلمت ما أراداه، وقالت لقفلان: أقتل ابني؟ قال: أنت قلت! فقالت لحاجبها: ادخل الناس يعزوني. فلما فرغت أحضرت قفلان وقالت له: سل حاجتك! فقال: اسأل أن أعطى قمحا بعدد بيوت الشطرنج، أعطى في البيت الأول حبة وفي الثاني اثنتين، ثم يضعف ذلك لي في البيت الثالث على الثاني، ثم على هذا الحساب إلى آخرها.
قالت: وما مقدار هذا؟ ثم أمرت بالحنطة أن تحضر، فلم يقم لذلك شئ حتى أنفدت قموح البلد، ثم قوم القمح بالمال حتى فني المال، فلما كثير ذلك قال: لا حاجة لي به! ان قليل الدنيا يكفيني.