الستة عشر كان لها نصف، وهو ثمانية، وهي عدة بيادق كل واحد، فإذا نصفت الثمانية كان لها نصف، وهو أربعة، وهو الرخان والفرسان من كل واحد، فإذا نصفت الأربعة كان لها نصف، وهو اثنان، فقد انقسمت أزواجا ولم يبق في القسم بعد الأزواج إلا الواحد الذي يقسمها كلها آحادا، وهو ليس بعدد، ولا معدود، ولا زوج، ولا فرد، لان أول أعداد الفرد ثلاثة.
ثم قال الحكيم: ليس شئ أجل من الحرب، لأنه يبين فيها فضل التدبير، وفضل الرأي، وفضل الحزم، وفضل الاحتياط، وفضل التعبية، وفضل المكيدة، وفضل الاحبراس، وفضل النجدة، وفضل البأس، وفضل القوة، وفضل الجلد، وفضل الشجاعة، فمن عدم منه شئ من هذا عرف موضع تقصيره لان خطأها لا يستقال، والعجز فيها متلف للمهج، والجهل مبيح للحمى، وترك الحزم ذهاب الملك، وضعف الرأي جلب للعطب، والتقصير سبب للهزيمة، وقلة العلم بالتعبية داعية الانكشاف، وقلة المعرفة بالمكيدة تهور إلى الهلكة، وترك الاحتراس نهزة للعدو، وجعلها على مثال الحرب، فإن أصاب ظفر وإن أخطأ هلك.
فلما رأى الملك صحة البرهان، وتبين فضل حكمة الحكيم، وعلم أن قد أصاب وأحسن التمثيل، وأبان عما قد عمي عنه، جمع أهل مملكته، فعرفهم ما كشف الله عنهم من الغم، وأمرهم أن يقيموها ويتأملوها، وقال لهم: قد علمنا أن ليس في العالم حي ناطق، مفكر، ضاحك، عاقل، إلا الانسان، فالانسان عليه مدار جميع ما في العالم، لان الفلك بجميع ما فيه خلقه الخالق للانسان ليعرف به ما يحتاج إليه من زمانه وأوقاته، وكذلك ذلك له جميع ما في الأرض، وكل ما خلق الله مما في قعر البحر، وجوه السماء ورؤوس الجبال، فلما ملك الانسان جميع ما خلق قسم ذلك الانسان ثلاثة أقسام فأكل ثلاثا، وسخر ثلاثا، وقتل ثلاثا: فأكل الطير والسمك وما شاء من النعم والإبل، وسخر البقر والحمير والدواب، وقتل السباع والحيات والهوام،