ثم رحلوا عنها إلا قوما منهم تخلفوا بها لأسباب دعتهم إلى ذلك، فأتوا مكة وأهلها جرهم، فنزلوا بطن مر، وسأل ثعلبة بن عمرو مزيقيا جرهم أن يعطوهم سهل مكة، فأبوا، فقاتلهم حتى غلب على السهل. ثم إنه والأزد استوبئوا مكانهم ورأوا شدة العيش به فتفرقوا، فأتت طائفة منهم عمان، وطائفة السراة، وطائفة الأنبار والحيرة، وطائفة (ص 16) الشام، وأقامت طائفة منهم بمكة. فقال جذع:
أكلما صرتم يا معاشر الأزد إلى ناحية انخزعت منكم جماعة؟ يوشك أن تكونوا أذنابا في العرب. فسمى من أقام بمكة خزاعة. وأتى ثعلبة بن عمرو مزيقيا وولده ومن تبعه يثرب وسكانها اليهود فأقاموا بها خارج المدينة، ثم إنهم غنوا وكثروا وعزوا حتى أخرجوا اليهود منها ودخلوها. فنزلت اليهود خارجها، فالأوس والخزرج ابنا حارثة بن ثعلبة بن عمرو مزيقيا بن عامر، وأمهما قيلة بنت الأرقم بن عمرو، ويقال إنها غسانية من الأزد، ويقال إنها عذرية.
وكانت للأوس والخزرج قبل الاسلام وقائع وأيام تدربوا فيها بالحروب واعتادوا اللقاء، حتى شهر بأسهم، وعرفت نجدتهم، وذكرت شجاعتهم، وجل في قلوب العرب أمرهم، وهابوا حدهم، فامتنعت حوزتهم، وعز جارهم، وذلك لما أراد الله من إعزاز نبيه صلى الله عليه وسلم وإكرامهم بنصرته.
59 - قالوا: ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة كتب بينه وبين يهود يثرب كتابا وعاهدهم عهدا. وكان أول من نقض ونكث منهم يهود بنى قينقاع، فأجلاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المدينة. وكان أول أرضا افتتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم أرض بنى النضير.