جرهم وبقية من العماليق قد اتخذوا النخل والزرع، فأقاموا معهم وخالطوهم، فلم يزالوا يكثرون وتقل جرهم والعماليق حتى نفوهم عن يثرب واستولوا عليها وصارت عمارتها ومراعيها لهم، فمكثوا على ذلك ما شاء الله، ثم إن من كان باليمن من ولد سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بغوا وطغوا وكفروا نعمة ربهم فيما آتاهم من الخصب ورفاغة العيش، فخلق الله جرذانا جعلت تنقب سدا كان لهم بين جبلين فيه أنابيب يفتحونها إذا شاؤوا فيأتيهم الماء منها على قدر حاجتهم وإرادتهم. والسد العرم، فلم تزل تلك الجرذان تعمل (ص 15) في ذلك العرم، حتى خرقته. فأغرق الله تعالى جنانهم وذهب بأشجارهم وأبدلهم خمطا وإثلا وشيئا من سدر قليلا. فلما رأى ذلك مزيقيا - وهو عمرو بن عامر بن حارثة بن ثعلبة بن امرئ القيس ابن مازن بن الأزد بن غوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان - باع كل شئ له من عقار وماشية وغير ذلك ودعا الأزد حتى صاروا معه إلى بلاد عك فأقاموا بها. وقال عمرو: الانتجاع قبل العلم عجز. فلما رأت عك غلبة الأزد على أجود مواضعهم غمها ذلك. فقالت للأزد:
انتقلوا عنا. فقام رجل من الأزد أعور أصم يقال له جذع فوثب بطائفة منهم فقتلهم، ونشبت الحرب بين الأزد وعك، فانهزمت الأزد ثم كرت، فقال جذع في ذلك:
نحن بنو مازن غير شك * غسان غسان وعك عك سيعلمون أينا أرك وكانت الأزد نزلت بماء يقال له غسان فسموا بذلك. ثم إن الأزد سارت حتى انتهت إلى بلاد حكم بن سعد العشيرة بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب ابن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان فقاتلوهم.
فظهرت الأزد على حكم، ثم إنه بدا لهم الانتقال عن بلادهم فانتقلوا، وبقيت طائفة منهم معهم. ثم أتوا نجران فحاربهم أهلها فنصروا عليهم، فأقاموا بنجران