سمع أهل مكة الهاتف بالليل على قرن الجبل (1) وهو رافع عقيرته، يقول:
جزى الله رب الناس خير جزائه * خليلي صفاء طردا كل مطرد هما نزلا في الصبح ثمت هجرا * وأفلح من أمسى رفيق محمد ليهنئ بنى كعب مكان فتاتهم * ومقعدها للمؤمنين بمرصد (2) وقال الحارث بن هشام:
رفيقان في المحيا وفى الموت ضمنا * بأكرم مثوى منزل ومكان فهذا هذا.
ثم الذي كان من قصة مسطح بن أثاثة وقضيته (3)، وكان ربيبه وابن خالته (4) وفى مؤونته وتحت جناحه، فلما قرفت عائشة بالذي قرفت به وبلغك، آلى أبو بكر ألا ينظر في وجهه، ولا ينفق عليه ولا يكفله ولا يمون عياله، فلما أنزل الله عذر عائشة وبراءتها، ولم يرض لها بالطهارة والعفة حتى جعلها غافلة، فضلا على أن يكون خطر ذلك على بالها فتنفيه، إيثارا للحلال على الحرام. وأنزل الله على رسوله صلى الله عليه في آية (5) يأمر أبا بكر بالصفح عن مسطح. والتجاوز عن ذنبه، وتغمد ما كان منه، وأن يعيده في كنفه وعياله. فقال: " ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة ".
فما ظنك بإمرئ يقول الله له وفيه هذا القول. ويصفه بهذه الصفة حتى يقول: " ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولى القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر