المسلمين قال القعقاع أيها الأمير قد تقدمت الأعداء والفيلة أمامهم ولا مقام لخيل العرب عند رؤيتها وصياحها فقال سعد أخلصوا النيات وأرضوا خالق الأرض والسماوات وأرشقوا الفيلة بالنبل واقطعوا مشافرها بالسيوف قال وكان أمام الفيلة فيل عظيم كأنهن جبل وكان إذا سار سارت وإذا وقف وقفت وأينما توجه كانت وراءه قال فلما حملت الكتائب واضطربت المواكب وجاءت الفيلة كأنها جبال وعلى ظهورها الابطال وقد أقبلت بالسيوف وفي خراطيمها فقتلت من عسكر المسلمين ولم تثبت لها خيل المسلمين فرفع سعد بن أبي وقاص كفيه مبتهلا بالدعاء لرب الأرض والسماء * (قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين) * قال زهرة بن جويرية فوالله لقد رأيت سعدا يدعو وعيني مع الفيلة وإذا بالفيل الأعور قد ولى يريد المدائن والفيلة بأجمعها والرجال لا يقدرون على ردها وهي سائرة على وجوهها وكفى الله المؤمنين القتال من الفيلة قال فلما ولت الفيلة غضب رستم وأقبل بعموده الذي من الذهب يضرب به وجوه الفيلة ويطمطم بفارسيته ويحرض قومه على القتال وهم يحملون خوفا منه وهو يطلب من هرب من جيشه والخيل أمامه منهزمة والمسلمون لا يتبعون المنهزمين وأوقفوهم مواقفهم وقد طابت قلوبهم بمعاملة الله فطعنوا في صدور الأعداء وقد اطلع الحق على قلوبهم فما وجد فيها غيره فبينما الأمير سعد يحرض على القتال إذ لقيه الأسود العنسي وهو طائش العقل ذاهل اللب فقال له ما وراءك يا ابن قيس فقال أيها الأمير إياك أن تعبر هذا الصف فان فيه الموت الأحمر والضيغم القسور وهو جبار من الفرس وقد قتل من المسلمين أربعة ولقد قاتلته حتى كاد أن يأتي علي ولولا أن من الله علي بخالد بن جعفر بن قرط لكان قتلني لان فيه شجاعة وبراعة فقال سعد يا مسكين وأين المفر من المقدور وقد قدر الله الاقدار أما سمعت قول الملك الجبار أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة ودخل الصف الذي ذكره الأسود وإذ قد لقيه خالد بن جعفر ولونه قد تغير فقال له ما وراءك يا ابن جعفر فقال الثعبان الأغبر والأسد الغضنفر أيها الأمير ارجع عن هذا الفارس فإنه علج عنيد وفي يده عمود من الذهب يورث به خصمه العطب وقد قتل الاقران وأباد الشجعان وقد كاد أن يقضي علي لولا سعد العشيرة أدركني لكان أهلكني فلما سمع سعد ذلك عظم عليه وقصد مكانه يريد أن يفدي الناس بنفسه وبروحه ويبدد في سبيل الله مهجته وهو يخترق الصفوف فلقي سعد العشيرة فقال له ما وراءك يا ابن لؤي قال ورائي جبار لا يقابل وبطل لا ينازل
(١٨٩)