فتوح الشام - الواقدي - ج ٢ - الصفحة ١٨٦
وعلى كل حال ديننا عتيق ودينهم محدث فاثبتوا عند اللقاء وكونوا عند ظن الملك كسرى بكم قال فبينما هو يقول ذلك إذ جاءه عمه الياس وهو صاحب الحرس فقال له أيها الملك ان أعداءنا قد انفذوا الينا رسولا فقال ائتني به فأحضره وكان الرسول سعد بن أبي عبيد القاري فلما وقف بين يدي النعمان صاح به الحجاب والغلمان قبل الأرض للملك فلم يلتفت إليهم وقال إن الله أمرنا أن لا يسجد بعضنا لبعض ولعمري ان هذه كانت العادة المعروفة في الجاهلية قبل أن يبعث الله نبيه محمدا عليه السلام فلما بعث جعل تحيته السلام وكذا كانت الأنبياء من قبله وأما السلام فهو من أسماء الله تعالى وأما تحيتكم هذه فهي تحية جبابرة الملوك فقال النعمان لسنا من الجبابرة بل نحن أجل منكم لأنكم توحدون في دينكم وتقولون ان الله واحد وتجحدون ولده عيسى بن مريم فقال سعد أخبرني عن بن مريم أكانت القدرة فيه حالة أم ربانية وجرى بينهم كلام كثير قال فأعجب النعمان كلام سعد وقال له يا ويح قومك ما الذي جئت به فقال ان الأمير سعد بن أبي وقاص وجهني إليك إذ أنت من العرب ويصل الينا ما نقص عليك وهؤلاء القوم علوج ليس لهم شريعة يؤدونها ولا فريضة يتبعونها ونحن ندعوكم إلى شهادة ان لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ولكم ما لنا وعليكم ما علينا فان أبيتم فأدوا الجزية فان أبيتم إلى ما دعوناكم اليه فائذنوا بحرب من الله ورسوله فلما سمع النعمان كلام سعد ضحك استهزاء بقوله وقال لقد حدثتكم أنفسكم بالأباطيل أظننتم أن الفرس مثل الروم لا وحق المسيح بل هؤلاء أثبت جنانا وأشد طعانا وأوسع ميدانا فليت شعري من نفخ في معاطسكم وحسن الامل في أنفسكم حتى جئتم من قحط البلاد ترومون ملك الأساورة وأخذ بلاد الأكاسرة ودونه حرب تصطفق أجرامه وتشب ضرامه وهذا الملك أزدشير قد أنفذ جيوشه وعساكره وكأنكم بهم وقد أقبلوا فينالون منكم ما يؤملون وما حدثتكم به أنفسكم تزيلونه من قلوبكم فقال سعد بن عبيد يا نعمان لقد تشدقت بالباطل وتفوهت بكلام غير عاقل أما علمت أن العاقبة للمتقين والله بكرمه يرفع عنا البأس ويظفرنا بجميع الناس وقال نبيه صلى الله عليه وسلم ستفتح على أمتي كنزر كسرى وقيصر فأما كنوز قيصر فقد فتحها الله علينا وقد بقيت كنوز صاحبك فقال النعمان من أين كان لصاحبك العلم ومن أين ورثه وقد بلغنا أنه كان لا يكتب ولا يقرأ فقال سعد بصره الله بالعلم في القدم وعلم ما كتب في اللوح المحفوظ بالقلم فلما سمع النعمان كلام سعد قال له يا ويح قومك ارجع إلى قومك فليس عندنا جواب الا السيف قال فركب سعد وعاد فوجدهم
(١٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 ... » »»