فتوح الشام - الواقدي - ج ١ - الصفحة ٧٨
ظنوا أن المسلمين قد دهموهم من ورائهم في جمع كثير فولوا راجعين فتلقاهم أبو عبيدة وقومه واخذوا عليهم المجاز وبذل أبو عبيدة السيف فيهم قال الواقدي ولقد بلغني أنه ما سلم من الروم تلك الليلة أحد من الذين هم غرماء أبي عبيدة ولقد قتلوا عن آخرهم فبينما هم في القتال إذ أشرف عليهم ضرار بن الأزور وهو ملطخ بالدماء فقال له خالد ما وراءك يا ضرار فقال أبشر أيها الأمير ما جئتك حتى قتلت في ليلتي هذه مائة وخمسين رجلا وقتل قومي ما لا يعد ولا يحصى وقد كفيتكم مؤنة من خرج من الباب الصغير إلى يزيد بن أبي سفيان ثم عطفت إلى سائر الأبواب فقتلت خلقا كثيرا قال فسر بذلك خالد بن الوليد ثم ساروا جميعا حتى أتوا شرحبيل بن حسنة وشكروا فعله وكانت ليلة مقمرة ولم يلق مثلها الناس فقتلوا في تلك الليلة ألوفا من الروم قال فاجتمع كبار أهل دمشق إلى توما وقالوا له أيها السيد انا قد نصحناك فلم تسمع لقولنا وقد قتل منا أكثر الناس وهذا أمير لا يطاق يعني خالد بن الوليد فصالح فهو أصلح لك ولنا وان لم تصالح صالحنا وأنت وشأنك فقال يا قوم أمهلوني حتى أكتب إلى الملك واعلمه بما نزل بنا فكتب من وقته وساعته كتابا يقول فيه إلى الملك الرحيم من صهرك توما أما بعد فان العرب محدقون بنا كاحداق البياض بسواد العين وقد قتلوا أهل أجنادين ورجعوا الينا وقد قتلوا منا مقتلة عظيمة وقد خرجت إليهم وأصيبت عيني وقد عزمت على الصلح ودفع الجزية للعرب فاما أن تسير بنفسك واما ان ترسل لنا عسكرا تنجدنا بهم واما أن تأمرنا بالصلح مع القوم فقد تزايد الامر علينا ثم طوى الكتاب وختمه وبعث به قبل الصباح فلما أصبح الصباح باكرهم المسلمون بالقتال وبعث خالد لكل أمير أن يزحف من مكانه فركب أبو عبيدة ووقع القتال واشتد الامر على أهل دمشق فبعثوا لخالد أن أمهلنا فأبى الا القتال ولم يزل كذلك إلى أن ضاق بهم الحصار وهم ينتظرون أمر الملك واجتمع أهل البلد وقالوا لبعضهم ما لنا صبر على ما نحن فيه من الامر وان هؤلاء ان قاتلناهم نصروا علينا وان تركناهم أضر بنا الحصار فاطلبوا من القوم صلحا على ما طلبوه منكم فقال لهم شيخ كبير من الروم وقد قرأ الكتب السالفة يا قوم والله اني أعلم أنه لو اتى الملك في جيشه جميعا لما منعوا عنكم هؤلاء لما قرأت في الكتاب ان صاحبهم محمدا خاتم المرسلين سيظهر دينه على كل دين فأطيعوا القوم وأعطوهم ما طلبوا منكم فهو وافق لكم فلما سمع القوم مقالات الشيخ ركنوا اليه لما يعلمون من علمه
(٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 ... » »»