فتوح الشام - الواقدي - ج ١ - الصفحة ٢٧٠
ووالله أن قتل نفوسنا وذهاب أرواحنا أسهل علينا من الرجوع بغير فائدة فمنك الامر ومنا السمع والطاعة فليس منا من يتأخر عنك ولا نموت الا تحت ظلال السيوف وفي طاعة الله ونصرة دين الاسلام فقال دامس شكر الله فضلكم ورزقكم النصر على أعدائكم فان كانت هذه نيتكم فالتصقوا بنا إلى هذا المكان قال وكانوا ثمانية وعشرين رجلا واثنان كانوا ارسلوهم إلى الأمير يعلمانه بأن يأتي إليهم في الصبح فقال لهم دامس أفيكم من يقدر على الصعود على هذه القلعة فقلنا له يا أبا الهول وكيف لنا أن نرقى إليها وعلى أي شيء نصل إلى أعلاها بغير سلم فقال على رسلكم ثم إنه اختار منا سبعة رجال كالأسد الضواري لو كلفوا حمل ذلك البرج على مناكبهم لما عظم ذلك عليهم ثم جلس على قرافيصه وقال لاحد السبعة اجلس على منكبي وارم بحيلك إلى الجدار واجلس كما أنا جالس ففعل الرجل ما أمر به وأمر آخر ان يفعل ويصعد على منكبي الآخر وان يرمي بقوته على الجدار قال ففعل ثم إنه لم يزل يصعد واحد بعد واحد إلى أن صعد الثامن بقوته على الجدار وهم متمسكون به فعند ذلك أمر الاعلى ان يقوم قائما وان يطرح حيله على الجدار فقام الأول وقام الثاني ثم قام الثالث ثم قام الرابع والخامس والسادس وكل واحد منهم قد طرح نفسه على الجدار ثم قام دامس آخرهم فإذا الاعلى قد وصل إلى شرافة السور وتعلق بها فاستوى على السور ونظر إلى حارس ذلك المكان فوجده نائما وهو ثمل من الخمر فأخذ بيده ورجله ورماه فلما وصل إلى الأرض قطعوه وأخفوا جسده ووجد من أصحابه اثنين سكارى وهم رقود فذبحهم بخنجره ورمى بهم ثم أرخى عمامته لصاحبه ونشله اليه فإذا هو معه على السور وكان دامس قد أعطاه حبلا فبقوا ينشلون به بعضهم إلى أن تكاملوا على السور واصعدوا من بقي معهم على الأرض وكان آخر من صعد أبو الهول فقال لهم مكانكم حتى أقفوا الخبر واكشف لكم الأثر ثم إنه أتى إلى دار البطريق وهو في وسط القلعة وإذا عنده سادات البطارقة وأكابرهم وهم جلوس وبين أيديهم بواطى الخمر ويوقنا جالس في وسطهم على بساط من الديباج منسوج من الذهب وعليه بدلة من اللؤلؤ ومعصب بعصابة من الجوهر والقوم يشربون والمسك والبخور يفوح عندهم فعاد دامس إلى أصحابه وقال أعلموا ان القوم خلق كثير وان هجمنا عليهم فلا نأمن الغلبة من كثرتهم ولكن ندعهم فيما هم فيه فإذا كان وقت السحر هجمنا على يوقنا ومن معه من الملوك نقتلهم بسيوفنا فإذا ظفرنا بهم وذلهم الله لنا وعلى أيدينا فهو الذي نريد وان كان غير ذلك فيكون الصباح قد قرب ولا شك أن الرجلين من أصحابنا قد أعلما خالد بن الوليد فيأتينا فقالوا ما نخالف لك امرا ونحن قد صرنا في قلعة هؤلاء الأعداء وليس ينجينا الا صدق جهادنا والعزم والشدة من قوتنا فقال لهم مكانكم فلعل أن يفتح الباب قال وكان للقلعة بابان وبينهما دهليز والبوابون داخلهما والرجال تنام عندهم بالنوبة فلما وصل دامس إلى الباب وجده مغلقا وإذا بالقوم
(٢٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 265 266 267 268 269 270 271 272 273 274 275 ... » »»