العرب انا لم نر بعد وقعة اليرموك رجالا أشجع من هذا فلقد قتل رجالا وجندل أبطالا وأنه ليغير على أطراف العسكر في وقت صلاتهم فيقتل رجالهم وينهب أموالهم ويرجع إلى قلعته وربما أنه يستتر في سواد الليل في طلب العلافة فيقع بهم فيأمر بهم ويأخذ دوابهم وجميع زادهم وميرتهم ثم يعود إلى قلعته ونحن لا نعلم به وان المسلمين له محاصرون ومنه خائفون حذرون قال وكان فيمن سمع كلامه وفهمه مولى من موالي بني طريف من ملوك كندة ويقال له دامس ويكنى بأبي الأهوال مشهور باسمه وكنيته وكان اسود كثير السواد بصاصا كأنه النخلة السحوق إذا ركب الفرس العالي من الخيل تخط رجلاه بالأرض وان ركب البعير العالي تقارب ركبتاه رجلي البعير وكان فارسا شجاعا قويا قد شاع ذكره ونما أمره وعلا قدره في بلاد كندة وأودية حضرموت وجبال مهرة وارض الشحر وقد أخاف البادية ونهب أموال الحاضرة وكان مع ذلك لا تدركه الخيل العتاة وكان إذا أدركته العرب في باديتها تعجبت من صولته وشجاعته وبراعته فلما سمع دامس أبو الهول بذكر يوقنا وما فعل بالمسلمين كاد أن يتمزق غيظا وحنقا وقال لعبد الله ابن قرط أبشر يا أخا العرب فوالله لاجتهدن في أن يخذله الله على يدي فلما سمع عبد الله كلامه جعل ينظر اليه شزرا وقال يا ابن السوداء لقد حدثتك نفسك آمالا لا تبلغها وأشياء لا تدركها يا ويلك ألم تعلم أن فرسان المسلمين وأبطال الموحدين بأجمعهم له محاصرون ولأصحابه محاربون ومع ذلك لا يقدر أحد له على شر وقد كاد ملوكا وقهرها فلما سمع دامس كلام عبد الله بن قرط غضب وقال والله يا عبد الله لولا ما يلزمني لك من أخوة الاسلام لبدأت بك قبله فاحذر أن تزدري بالرجال وان أحببت ان تعرفني فسل عني من حضر من أهلي وما قد تقدم من فعلي الذي من ذكره تطيش العقول وتضيق الصدور كم من عساكر قتلتها وجموع فرقتها ومحافل بددتها وغارات شننتها ولا يضام لي جار ولا يلحقني عار وبحمدالله أنا فارس كرار غير فرار ثم تركه مغضبا وسار أمام الناس وان قوما من العرب قالوا لعبد الله بن قرط يا أخا العرب ارفق بنفسك فإنك وأيم الله تخاطب رجلا يقرب اليه البعيد ويهون عليه الصعب الشديد وانه لجليد فريد لا تهوله الرجال ولا تفزعه الابطال ان كان في حرب كان في أولها لا يدركه من طلب ولا يفوته من هرب فقال عبد الله لقد كثر وصفكم وأطنبتكم في ذكركم وأرجو أن يجعل الله فيه خيرا وفرجا للمسلمين قال ثم أخذ القوم في جد السير حتى قدموا حلب إلى أبي عبيدة وهو منازل أهل قلعة حلب ومحاصرها وقد أحاط المسلمون بالقلعة من كل جانب فلما أشرف القوم عليهم أخذوا في زينتهم وجردوا سيوفهم وأشهروا سلاحهم ونشروا راياتهم وكبروا بأجمعهم وصلو على نبيهم فأجابهم أهل العسكر بالتكبير من كل جانب واستقبلهم أبو عبيدة وسلم عليهم وسلموا عليه ونزل كل قوم عند بني عمهم وعشيرتهم ويوقنا ما زال في كل ليلة ينشط إليهم برجاله ويناوشهم وذلك أنه كان لا يقاتلهم الا قليلا ولا يظهر من القلعة نهارا ابدا وكان
(٢٦٢)