ورفدنا وجوائزنا ونحن نحسن إليهم ونكرمهم ونكرم ضعيفهم ونعظم قدرهم ونتفضل عليهم ونفي لهم بالوعد وكنا نظن أن العرب كلها تعرف لنا ذلك من جميع القبائل وتشكرنا عليه لما أسدينا من عطايانا الجميلة لهم فما شعرنا حتى جئتمونا بالخيل والرجل وظننا انكم تطلبون منا طلب اخوانكم فإذا أنتم على خلاف رأي أولئك جئتم تقتلون الرجال وتسبون النساء وتغنمون الأموال وتهدمون الاطلال وتطلبون ان تخرجونا من أرضنا وتغلبونا على بلادنا وقد طلب منا ذلك من كان قبلكم ممن هو أكثر منكم عددا وأكثر أموالا وسلاحا وظهرا فرددناهم خائفين وجلين خائبين بين قتيل وجريح وطريد وطريح فأول ما فعلنا ذلك بملك فارس فرده الله على عقبيه بالخيبة والذل وكذلك فعلنا بملك الترك وملك الجرامقة وغيرهم وأنتم لم يكن في أمة من الأمم أصغر منكم مكانا ولا أحقر شانا لأنكم أهل الشعر والوبر والبؤس والشقاء وانكم مع ذلك تظلمون في بلادكم وبلادنا وحوالينا أمة كثيرة العدد وشوكتنا شديدة وعصبتنا عظيمة وانما قبلتم علينا لأنكم خرجتم من جدوبة الأرض وقحط المطر فانجليتم إلى بلادنا وأفسدتم كل الفساد وركبتم مراكب ليست كمراكبكم ولبستم ثيابا ليست كثيابكم وتمتعتم ببنات الروم البيض الاوانس فجعلتموهن خدما لكم واكلتم طعاما ليس كطعامكم وملئت أيديكم من الذهب والفضة والمتاع الفاخر ولقد لقيناكم الآن ومعكم أموالنا وما غنمتموه من قومنا وأهل ديننا وقد تركناه لكم لا نطالبكم به ولا ننازعكم فيه ولا نعتب عليكم فيما تقدم من فعالكم والآن فأخرجوا من بلادنا فان أبيتم الانصراف عنا عزمنا عليكم عزمة فنترككم كأمس الدابر وان جنحتم للصلح نأمر لكل واحد من عسكركم بمائة دينار وثوب ولاميركم أبي عبيدة بألف دينار ولخليفتكم عمر بن الخطاب بعشرة آلاف دينار وعلى أنكم تحلفون لنا أن لا تعودوا إلى حربنا قال الواقدي وماهان يرغب تارة ويرهب أخرى وخالد مطرق لا يتكلم حتى فرغ ماهان من كلامه فقال خالد ان الملك قد تكلم فأحسن وسمعنا كلامه ونتكلم ويسمع كلامنا ثم قال خالد بن الوليد رضي الله عنه الحمد لله الذي لا إله إلا هو فلما سمع ماهان ذلك مد يده إلى السماء وقال نعم ما قلت يا عربي فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد ان محمدا عبده ورسوله المرتضى ونبيه المجتبى صلى الله عليه وسلم فقال ماهان ما أدري أمحمد رسول الله أم لا ولعله كما تقول وتزعم وتذكر فقال خالد رضي الله عنه حسب الرجل دينه ثم قال أفضل الساعات وخيرها الساعات التي يطلع فيها الله رب العالمين فالتفت ماهان إلى قومه وقال بلسانه انه رجل عاقل يتكلم بالحكمة فقال خالد ما الذي قلت لقومك فأخبره بمقالته فقال خالد أن كنت أوتيت العقل فالله تعالى المحمود على ذلك وقد سمعنا نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم يقول لما خلق الله تعالى العقل وصوره وقدره قال أقبل فأقبل ثم قال له أدبر فادبر فقال الله تعالى وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أحب إلي منك بك تنال طاعتي وتدخل جنتي فقال ماهان
(١٨٧)