لاثت خمارها على رأسها، واشتملت بجلبابها، وأقبلت في لمة من حفدتها ونساء قومها، تطأ ذيولها، ما تخرم مشية رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى دخلت على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم، فنيطت دونها ملاءة، ثم أنت أنة أجهش لها القوم بالبكاء، ثم أمهلت هنيهة حتى إذا سكنت فورتهم افتتحت كلامها بحمد الله، والثناء عليه، ثم قالت: (لقد جآءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) (1) فان تعزوه تجدوه أبي دون نسائكم، وأخا ابن عمي، دون رجالكم، فبلغ الرسالة، صادعا بالنذارة، مائلا عن مدرجة المشركين، ضاربا لحدتهم، يجذ الأصنام، وينكث الهام، ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، حتى تفرى الليل عن صبحه، وأسفر الحق عن محضه، ونطق زعيم الدين، وخرست شقاشق الشياطين، وتمت كلمة الإخلاص (وكنتم على شفا حفرة من النار) (2)، نهزة الطامع، ومذقة الشارب، وقبسة العجلان، وموطئ الأقدام، تشربون الطرق، وتقتاتون القد، أذلة خاسئين، حتى استنقذكم الله ورسوله بعد اللتيا والتي، وبعد أن مني ببهم الرجال، وذؤبان العرب، ومردة أهل الكتاب، كلما أوقدوا نارا للحرب، وفغرت فاغرة، قذف أخاه في لهواتها فلا ينكفي حتى يطأ صماخها بأخمصه، ويطفئ عادية لهبها بسيفه، وأنتم في رفاهية آمنون وادعون، حتى إذا اختار الله لنبيه دار أنبيائه، أطلع الشيطان رأسه، فدعاكم فألفاكم لدعوته مستجيبين، وللغرة ملاحظين، ثم استنهضكم فوجدكم غضابا، فوسمتم غير إبلكم، ووردتم غير شربكم، هذا والعهد قريب، والكلم رحيب، والجرح لما
(٢٠٢)