سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٤ - الصفحة ٣٣٤
شيئا، فدخل بهم إلى القمامة، فجلس بين الشمامسة (1)، وكان عليه السواد، فظنوه منهم، فقال لهم: متى يشعل القنديل؟ قالوا: إلى أربع ساعات. فقال: كثير. فأومأ بأصبعه، فقال: الله. فخرجت نار من يده، فأشعلت القنديل، واشتعلت ألف قنديل حواليه، ثم ردت النار إلى أصبعه، فقالوا: من أنت؟ قال: أنا حنيفي، أقل الحنيفيين، تحبون أن أقيم أو أخرج؟ فقالوا: ما شئت. فقال: أعطوا هؤلاء شيئا. فأخرجوا بدرة (2) فيها عشرة آلاف درهم للفقراء.
فهذه الحكاية وأمثالها ما صح منها فحكمه أنه مخدوم من الجن.
قال التنوخي (3): وحدثني أحمد بن يوسف الأزرق قال: بلغني أن الحلاج كان لا يأكل شيئا شهرا، فهالني هذا، وكان بين أبي الفرج وبين روحان الصوفي مودة (4)، وكان محدثا صالحا، وكان القصري غلام الحلاج زوج أخته، فسألته [عن ذلك] فقال: أما ما كان الحلاج يفعله فلا أعلم كيف كان يتم له، ولكن صهري القصري قد أخذ نفسه، ودرجها، حتى صار يصبر عن الاكل خمسة عشر يوما، أقل أو أكثر. وكان يتم له ذلك بحيلة تخفى علي، فلما حبس في جملة الحلاجية، كشفها لي، وقال لي:
إن الرصد إذا وقع بالانسان، وطال فلم تنكشف معه حيلة، ضعف عنه الرصد، ثم لا يزال يضعف كلما لم تنكشف حيلته، حتى يبطل أصلا،

(1) الشمامسة: جمع شماس، رؤوس النصارى. قال صاحب اللسان: هو الذي يحلق وسط رأسه ويلزم البيعة.
(2) في اللسان: البدرة: كيس فيه ألف أو عشرة آلاف، سميت ببدرة السخلة، أي:
جلد السخلة.
(3) في " نشوار المحاضرة " 1 / 159 160.
(4) عبارة " النشوار ": وكان بيني وبين أبي الرج بن روحان الصوفي مودة.
(٣٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 329 330 331 332 333 334 335 336 337 338 339 ... » »»