سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٤ - الصفحة ٣٣٣
يقلب عينيه إلي فيجيش خاطره بالهوس، فلما خرجنا قال لي الرجل: آمنت؟
فقلت: أشد ما كنت تكذيبا لقولكم الآن، هذا عندكم بمنزلة النبي صلى الله عليه وسلم!؟ لم لا يجعل نفسه غير أحول؟ فقال: يا أبله! وكأنه أحول، إنما يقلب عينيه في الملكوت.
قال أبو علي التنوخي: أخبرني أبو العباس المتطبب أحد مسلمي الطب الذين شاهدتهم: إن حي نور بن الحلاج بتستر، وإنه يلتقط دراهم من الهواء ويجمعها ويسميها دراهم القدرة، فأحضروا منها إلى مجمع كان لهم، فوضعوها واتخذوا أولئك يشهدون له أنه التقطها من الجو، يغرون بها قوما غرباء، يستدعونهم بذلك، ويرون أن قدر حي نور أجل من أن يمتحن كل وقت، فما وضعت الدراهم في منديل قلبتها فإذا فيها درهم زائف، فقلت:
أهذه دراهم القدرة كلها؟ قالوا: نعم. فأريتهم الدرهم الزيف، فتفرقت الجماعة وقمنا، وكان حي نور قد استغوى قائدا ديلميا على تستر، ثم زاد عليه في المخرقة الباردة، فانهتك له، فقتله. فمن بارد مخاريقه: أنه أحضر جرابا وقال له: إذا حزبك أمر أخرجت لك من هذا الجراب ألف تركي بسلاحهم ونفقتهم. فسقط من عينه واطرحه، فجاء إليه بعد مدة وقال: أنا أرد يد الملك أحمد بن بويه المقطوعة صحيحة، فأدخلني إليه. فصاح عليه وقال: أريد أن أقطع يدك، فإن رددتها حملتك إليه، فاضطرب من ذلك، فرماه بشئ كانت فيه منيته، فبعثه سرا فغرقه.
قال علي بن محمود الزوزني: سمعت محمد بن محمد بن ثوابة يقول: حكى لي زيد القصري قال: كنت بالقدس، إذ دخل الحلاج، وكان يومئذ يشعل فيه قنديل قمامة بدهن البلسان (1)، فقام الفقراء إليه يطلبون منه

(1) البلسان: شجر كثير الأوراق، ينبت بمصر، وله دهن معروف.
(٣٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 328 329 330 331 332 333 334 335 336 337 338 ... » »»