سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٢ - الصفحة ٤٠٨
الأشياء، أن الدين قول وعمل، وأن القرآن كلام الله.
وقال محمد بن أبي حاتم الوراق: سمعت حاشد بن إسماعيل وآخر يقولان: كان أبو عبد الله البخاري يختلف معنا إلى مشايخ البصرة وهو غلام، فلا يكتب، حتى أتى على ذلك أيام، فكنا نقول له: إنك تختلف معنا ولا تكتب، فما تصنع؟ فقال لنا يوما بعد ستة عشر يوما: إنكما قد أكثرتما علي وألححتما، فأعرضا علي ما كتبتما. فأخرجنا إليه ما كان عندنا، فزاد على خمسة عشر ألف حديث، فقرأها كلها عن ظهر القلب، حتى جعلنا نحكم (1) كتبنا من حفظه. ثم قال: أترون أني أختلف هدرا (2)، وأضيع أيامي؟! فعرفنا أنه لا يتقدمه أحد (3).
قال: وسمعتهما يقولان: كان أهل المعرفة من البصريين يعدون خلفه في طلب الحديث وهو شاب حتى يغلبوه على نفسه، ويجلسوه في بعض الطريق، فيجتمع عليه ألوف، أكثرهم ممن يكتب عنه. وكان شابا لم يخرج وجهه (4).
وقال أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ: سمعت عدة مشايخ يحكون أن محمد بن إسماعيل البخاري قدم بغداد، فسمع بن أصحاب الحديث، فاجتمعوا وعمدوا إلى مئة حديث، فقلبوا متونها وأسانيدها، وجعلوا متن هذا الاسناد هذا، وإسناد هذا المتن هذا، ودفعوا إلى كل

(1) يقال حكم الشئ وأحكمه: استثبته ومنعه من الفساد والخطأ.
(2) هدر يهدر، بالكسر، ويهدر، بالضم، هدرا وهدرا، أي بطل.
(3) " طبقات الحنابلة " 1 / 276، 277، و " تاريخ بغداد " 2 / 14، 15، و " طبقات السبكي " 2 / 217، و " مقدمة الفتح ": 479.
(4) أي لم ينبت شعر وجهه. والخبر في " طبقات الحنابلة " 1 / 277، و " تهذيب الأسماء واللغات " 1 / 70 / 1، و " طبقات السبكي " 2 / 217.
(٤٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 403 404 405 406 407 408 409 410 411 412 413 ... » »»