سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٢ - الصفحة ٤٠٦
وقال سمعت أبا عبد الله يقول: كان شيخ يمر بنا في مجلس الداخلي، فأخبره بالأحاديث الصحيحة مما يعرض علي، وأخبره بقولهم، فإذا هو يقول لي يوما: يا أبا عبد الله، رئيسنا في أبو جاد، وقال بلغني أن أبا عبد الله شرب دواء الحفظ يقال له: بلاذر، فقلت له يوما خلوة: هل من دواء يشربه الرجل، فينتفع به للحفظ؟ فقال: لا أعلم، ثم أقبل علي، وقال لا أعلم شيئا أنفع للحفظ من نهمة الرجل، ومداومة النظر (1).
قال: وذاك أني كنت بنيسابور مقيما، فكان ترد إلي من بخارى كتب، وكن قرابات لي يقرأن سلامهن في الكتب، فكنت اكتب كتابا إلى بخارى، وأردت أن أقرئهن سلامي، فذهب علي أساميهن حين كتبت كتابي، ولم أقرئهن سلامي، وما أقل ما يذهب عني من العلم، وقال:
سمعته يقول: لم تكن كتابتي للحديث كما كتب هؤلاء. كنت إذا كتبت عن رجل سألته عن اسمه وكنيته ونسبته وحمله الحديث، إن كان الرجل فهما. فإن لم يكن سألته أن يخرج إلي أصله ونسخته. فأما الآخرون لا يبالون ما يكتبون، وكيف يكتبون.
وقال سمعت العباس الدوري يقول: ما رأيت أحدا يحسن طلب الحديث مثل محمد بن إسماعيل، كان لا يدع أصلا ولا فرعا إلا قلعه. ثم قال لنا: لا تدعوا من كلامه شيئا إلا كتبتموه.
وقال: كتب إلى أبي عبد الله بعض السلاطين في حاجة له، ودعا له دعاء كثيرا. فكتب إليه أبو عبد الله: سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: وصل إلي كتابك وفهمته، وفي بيته يؤتى

(1) " مقدمة الفتح ": 488.
(٤٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 401 402 403 404 405 406 407 408 409 410 411 ... » »»