سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١١ - الصفحة ٢٦٠
قلت: ما قال هذا مع تمكنه في الخلافة وشجاعته إلا عن أمر كبير، كأنه خاف أن يموت من الضرب، فتخرج عليه العامة. ولو خرج عليه عامة بغداد لربما عجز عنهم.
وقال حنبل: لما أمر المعتصم بتخلية أبي عبد الله، خلع عليه مبطنة وقميصا وطيلسانا وقلنسوة وخفا. فبينا نحن على باب الدار، والناس في الميدان والدروب وغيرها، وغلقت الأسواق إذ خرج أبو عبد الله على دابة من دار المعتصم في تلك الثياب، وأحمد بن أبي دواد عن يمينه، وإسحاق بن إبراهيم - يعني: نائب بغداد - عن يساره. فلما صار في الدهليز قبل أن يخرج، قال لهم ابن أبي دواد: اكشفوا رأسه فكشفوه، يعني: من الطيلسان، وذهبوا يأخذون به ناحية الميدان نحو طريق الحبس. فقال لهم إسحاق: خذوا به هاهنا يريد دجلة، فذهب به إلى الزورق، وحمل إلى دار إسحاق بن إبراهيم، فأقام عنده إلى أن صليت الظهر. وبعث إلى والدي وإلى جيراننا ومشايخ المحال، فجمعوا وأدخلوا عليه. فقال لهم: هذا أحمد بن حنبل، إن كان فيكم من يعرفه وإلا فليعرفه.
وقال ابن سماعة - حين دخل الجماعة - (1) لهم: هذا أحمد بن حنبل، وإن أمير المؤمنين ناظره في أمره، وقد خلى سبيله، وها هوذا، فأخرج على فرس لإسحاق بن إبراهيم عند غروب الشمس، فصار إلى منزله، ومعه السلطان والناس، وهو منحن. فلما ذهب لينزل احتضنته ولم أعلم، فوقعت يدي على موضع الضرب، فصاح، فنحيت يدي، فنزل متوكئا علي، وأغلق الباب، ودخلنا معه، ورمى بنفسه على وجهه لا يقدر أن يتحرك إلا بجهد،

(1) في " تاريخ الاسلام " " للجماعة ".
(٢٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 255 256 257 258 259 260 261 262 263 264 265 ... » »»