فيه، حتى إذا صرنا إلى الرحبة، أنزلنا بظاهرها، فمددت بصري، فإذا بشئ لم أستثبته، فلم يزل يدنو، وإذا أعرابي جعل يتخطى تلك المحامل حتى صار إلي، فوقف علي، فسلم، ثم قال: أنت أحمد بن حنبل؟
فسكت تعجبا!! ثم أعاد، فسكت. فبرك على ركبتيه، فقال: أنت أبو عبد الله أحمد بن حنبل؟ فقلت نعم. فقال: أبشر واصبر، فإنما هي ضربة هاهنا، وتدخل الجنة هاهنا. ثم مضى.
فقال الطفاوي: يا أبا عبد الله! إنك محمود عند العامة، فقال: أحمد الله على ديني، إنما هذا دين، لو قلت لهم، كفرت. فقال الطفاوي:
أخبرني بما صنعوا بك؟ قال: لما ضربت بالسياط، جعلت أذكر كلام الأعرابي، ثم جاء ذاك الطويل اللحية - يعني: عجيفا - فضربني بقائم السيف. ثم جاء ذاك، فقلت: قد جاء الفرج، يضرب عنقي، فأستريح.
فقال له ابن سماعة: يا أمير المؤمنين: اضرب عنقه ودمه في رقبتي. فقال ابن أبي دواد: لا يا أمير المؤمنين، لا تفعل. فإنه إن قتل أو مات في دارك، قال الناس: صبر حتى قتل، فاتخذه الناس إماما، وثبتوا على ما هم عليه، ولكن أطلقه الساعة، فإن مات خارجا من منزلك، شك الناس في أمره.
وقال بعضهم: أجاب، وقال بعضهم: لم يجب. فقال الطفاوي: وما عليك لو قلت؟ قال أبو عبد الله: لو قلت، لكفرت.
وبه قال ابن أبي حاتم: سمعت أبا زرعة، يقول: دعا المعتصم بعم أحمد، ثم قال للناس: تعرفونه؟ قالوا: نعم، هو أحمد بن حنبل. قال:
فانظروا إليه، أليس هو صحيح البدن؟ قالوا: نعم. ولولا أنه فعل ذلك، لكنت أخاف أن يقع شئ لا يقام له. قال: ولما قال: قد سلمته إليكم صحيح البدن، هدأ الناس وسكنوا.