سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٠ - الصفحة ٨٣
قال أبو بكر بن زياد النيسابوري، سمعت الربيع يقول: كان الشافعي يختم القرآن في كل رمضان ستين ختمة، وفي كل شهر ثلاثين ختمة. وكان يحدث وطست تحته، فقال يوما: اللهم إن كان لك فيه رضى، فزد (1)، فبعث إليه إدريس بن يحيى المعافري - يعني زاهد مصر -: لست من رجال البلاء، فسل الله العافية.
الزبير بن عبد الواحد: حدثنا محمد بن عقيل الفريابي قال: قال المزني أو الربيع: كنا يوما عند الشافعي، إذ جاء شيخ عليه ثياب صوف، وفي يده عكازة، فقام الشافعي، وسوى عليه ثيابه، وسلم الشيخ، وجلس، وأخذ الشافعي ينظر إلى الشيخ هيبة له، إذ قال الشيخ: أسأل؟
قال: سل، قال: ما الحجة في دين الله؟ قال: كتاب الله. قال:
وماذا؟ قال: سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: وماذا؟ قال: اتفاق الأمة.
قال: من أين قلت: اتفاق الأمة؟ فتدبر الشافعي ساعة، فقال الشيخ: قد أجلتك ثلاثا، فإن جئت بحجة من كتاب الله، وإلا تب إلى الله تعالى، فتغير لون الشافعي، ثم إنه ذهب، فلم يخرج إلى اليوم الثالث بين الظهر والعصر، وقد انتفخ وجهه ويداه ورجلاه وهو مسقام، فجلس، فلم يكن

(١) في ثبوت هذا عن الشافعي وقفة، فإنه مما لا يخفى عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ من البلاء، ويسأل الله العافية، ففي البخاري ١١ / ١٢٥، ومسلم (٢٧٠٧) من حديث أبي هريرة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء. وفي " صحيح مسلم " (٢٧٣٩) من حديث ابن عمر: كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:
" اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، ومن تحول عافيتك، ومن فجاءة نقمتك، ومن جميع سخطك وغضبك " وصح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر فيما رواه أبو داود (٥٠٧٣) أنه كان يدعو حين يصبح ويمسي بهذه الدعوات: " اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي، وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي " والنص في " الحلية " 9 / 135. وفيه بعد قوله: " فسل الله العافية " أن الشافعي بعث إليه، فقال: ادع الله لي بالعافية.
(٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 ... » »»