سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٤ - الصفحة ٣٠٥
فجلس ذات يوم وقد برق (1)، فنظرت إليه فقلت: أيها الأمير، عندي علم [ما تريد] فقال: ومن أنت؟ قلت: أعيذك ألا تسأل عن ذاك، فعرف أني ممن يخفي نفسه، فدعا بكتاب فقال: اكتب نسخة. قلت: لا تحتاج إلى ذلك فجعلت أمل عليه وهو ينظر حتى فرغ من كتاب الفتح. قال: فحملني على بغلة وأرسل إلي بسرق (2) من حرير، وكنت عنده في أحسن منزلة، فإني ليلة أتعشى معه، إذا أنا برسول الحجاج بكتاب فيه: إذا نظرت في كتابي هذا، فإن صاحب كتابك عامر الشعبي، فإن فاتك، قطعت يدك على رجلك وعزلتك.
قال: فالتفت إلي، وقال: ما عرفتك قبل الساعة، فاذهب حيث شئت من الأرض، فوالله لأحلفن له بكل يمين، فقلت: أيها الأمير إن مثلي لا يخفى.
فقال: أنت أعلم. قال: فبعثني إليه وقال: إذا وصلتم إلى خضراء واسط فقيدوه، ثم أدخلوه على الحجاج.
فلما دنوت من واسط، استقبلني ابن أبي مسلم، فقال: يا أبا عمرو، إني لأضن بك عن القتل، إذا دخلت على الأمير فقل كذا وقل كذا. فلما أدخلت عليه ورآني قال: لا مرحبا ولا أهلا، جئتني ولست في الشرف من قومك، ولا عريفا، ففعلت وفعلت، ثم خرجت علي. وأنا ساكت، فقال:
تكلم. فقلت: أصلح الله الأمير، كل ما قلته حق، ولكنا قد اكتحلنا بعدك السهر، وتحلسنا (3) الخوف، ولم نكن مع ذلك بررة أتقياء، ولا فجرة أقوياء، فهذا أوان حقنت لي دمي، واستقبلت بي التوبة. قال: قد فعلت ذلك (4).

1) برق: تحير.
2) السرق: مفردها سرقة، وهي القطعة من جيد الجرير.
3) انظر الصفحة التالية 306 حاشية (1).
(4) أورد ابن عساكر الخبر مطولا (عاصم عايذ) 208 وما بعدها، وما بين الحاصرتين منه.
(٣٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 300 301 302 303 304 305 306 307 308 309 310 ... » »»