سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٤ - الصفحة ٣٠٦
وقال الأصمعي: لما أدخل الشعبي على الحجاج قال: هيه يا شعبي.
فقال: أحزن بنا المنزل، واستحلسنا الخوف (1)، فلم نكن فيما فعلنا بررة أتقياء، ولا فجرة أقوياء. فقال لله درك (2).
قال ابن سعد (3): قال أصحابنا: كان الشعبي فيمن خرج مع القراء على الحجاج، ثم اختفى زمانا، وكان يكتب إلى يزيد بن أبي مسلم أن يكلم فيه الحجاج.
قلت: خرج القراء، وهم أهل القرآن والصلاح بالعراق على الحجاج لظلمه وتأخيره الصلاة والجمع في الحضر، وكان ذلك مذهبا واهيا لبني أمية كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: " يكون عليكم أمراء يميتون الصلاة " (4). فخرج على الحجاج عبد الرحمن بن الأشعث بن قيس الكندي، وكان شريفا مطاعا، وجدته أخت الصديق، فالتف (5) على مائة ألف أو يزيدون، وضاقت على الحجاج الدنيا، وكاد أن يزول ملكه، وهزموه مرات، وعاين التلف وهو ثابت مقدام، إلى أن انتصر وتمزق جمع ابن الأشعث. وقتل خلق

1) أحزن بنا المنزل: صار ذا حزونة (خشونة) كأن المنزل أركبهم الحزونة حيث نزلوا فيه.
واستحلس فلان الخوف: إذا لم يفارقه الخوف ولم يأمن.
2) ابن عساكر (عاصم عايذ) 211، وانظر الحلية 4 / 325 واللسان (حلس).
3) في الطبقات 6 / 249. له تتمة.
(4) أخرج مسلم في صحيحه (648) وأبو داود (431) والترمذي (176) وابن ماجة (1256) عن أبي ذر قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها أو يميتون الصلاة عن وقتها "؟ قال: قلت: فما تأمرني؟ قال: " صل الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة ".
وأخرج أبو داود (434) من حديث قبيصة بن وقاص، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يكون عليكم أمراء من بعدي يؤخرون الصلاة، فهي لكم وهي عليهم، فصلوا معهم ما صلوا القبلة ".
5) التف عليه القوم: اجتمعوا. فعلى هذا تكون العبارة: " فالتف عليه مئة ألف ".
(٣٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 301 302 303 304 305 306 307 308 309 310 311 ... » »»