قولهم: صدوق إن شاء الله، حيث إن كليهما ليس فيه جزم ببلوغ الراوي مرتبة الصدوق، لأن معنى (محله الصدق): أنه مظنة الصدق.
وإذا كنا نحسن حديث الصدوق، فمن يقال فيه (محله الصدق): نتوقف في تحسينه.
قال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 2: 133 آخر ترجمة إبراهيم بن مهاجر البجلي: " سمعت أبي يقول: إبراهيم بن مهاجر ليس بقوي، هو وحصين بن عبد الرحمن، وعطاء بن السائب قريب بعضهم من بعض، محلهم عندنا محل الصدق، ويكتب حديثهم ولا يحتج بحديثهم، قلت لأبي: ما معنى لا يحتج بحديثهم؟ قال: كانوا قوما لا يحفظون، فيحدثون بما لا يحفظون، فيغلطون، ترى في أحاديثهم اضطرابا ما شئت ". أي: كثيرا.
فبان بهذا أن " محله الصدق " وصف للرجل سيئ الحفظ، وأن الاضطراب الواقع في روايته: عن غير قصد وسوء نية، فهو مدفوع عن الضبط لا عن مطلق الصدق، قال الحافظ السيوطي رحمه الله تعالى في " التدريب " ص 232: " إن " صدوقا " مبالغة في الصدق، بخلاف " محله الصدق "، فإنه دال على أن صاحبها محله ومرتبته مطلق الصدق ".
وبان بهذا أيضا أن " محله الصدق " و " ليس بقوي " و " يكتب حديثه ولا يحتج به " كلها بمرتبة واحدة سواء عند الإمام أبي حاتم، وأرى أنها لا تختلف عند غير أيضا، على أن هذه الألفاظ لا تكثر إلا في كلام أبي حاتم، سوى " ليس بقوي " فإنها تكثر في كلامهم جميعا.
13 - وفي الكتاب ألفاظ متقاربة، ويلحق بها ألفاظ أيضا تقرب منها من حيث المدلول وهي من زمرتها اللفظية، فأنا أجمعها إلى بعضها وأشير إلى مراتبها.
1 " - لا بأس به. 2 " - ليس به باس. 3 " - ما أرى به بأسا.
4 " - لا أعلم به بأسا. 5 " - أرجوا أنه لا بأس به. 6 " - ليس بحديثه بأس.
هذا ترتيبها فيما أرى. والله أعلم.
أما اللفظة الأولى والثانية: فمن مرتبة واحدة تماما.
والثالثة والرابعة دونهما، إذ في الأوليين جزم، وإشارة إلى أنه حكم عام، منه ومن غيره، أما هاتان ففيهما الخلو عن هذين الملحظين. و " ما أرى " بمعنى " لا أعلم ".
وأما الخامسة: فواضح أن نفي البأس عنه من باب الرجاء، و " لا يلزم من عدم العلم حصول الرجاء " (1).
وأما السادسة: فأخرتها لأن نفي البأس عن حديثه لا عنه ذاته، وقد يكون مراد قائلها أن جملة أحاديثه مستوية لا بأس بها، أما الرجل فله فيه وقفة، وقد يكون مراده حديثا معينا سئل عنه فنفى عنه البأس. والله أعلم.