وسلف المصنف في هذا الاستعمال: ابن عدي، فإنه قال آخر ترجمة عاصم بن علي الواسطي من " الكامل " 5: 1876: " ضعفه ابن معين، وصدقه أحمد بن حنبل وصدق أباه وأخاه ".
والحديث عن كلمة (صدوق) ومراحلها في استعمالات الأئمة لها: طويل، ويستأهل أن يفرد في جزء، لكن مما يفيد ذكره هنا - مع التنبيه إلى ضرورة نقل كلمات الجرح والتعديل على وجهها - ما أسنده الإمام مسلم في " التمييز " ص 176 (23) إلى شعبة بن الحجاج أنه قال: " شك ابن عون أصدق عندي من حديث آخر عندكم، صدوق صدوق ".
ف (صدوق) هنا: بمنزلة قوله: ثبت، أو متقن، أو حجة، يريد بها التأكيد على شدة ضبط ابن عون، بقرينة أول كلامه، ومن الخطأ الكبير في مثل هذه الحال أن يقال مثلا: قال شعبة في ابن عون: صدوق، مرة واحدة، أو مرتين، دون نقل صدر كلامه.
9 - واستعمل رحمه الله: صدق، قال ذلك في سليمان بن منصور البلخي، وهي مثل قولهم: وثق، وضعف.
10 - واستعمل أيضا: ضعف، قالها في إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر.
11 - وكذلك: لين، قالها في محمد بن عثمان بن صفوان الجمحي.
ويلزم من استعماله هذه الألفاظ الأربعة: وثق، صدق، لين، ضعف: أن تكون قد قيلت في الرجل، فلا يصح لي أن أقول في فلان (وثق) إلا وقد قيل فيه: ثقة، وهكذا سائرها، لكنك تجد في التعليق على سليمان بن منصور أني لم أجد في ترجمته من قال فيه (صدوق) وإن كان الرجل من أهل هذه المرتبة.
وقال عن محمد بن عثمان الجمحي: " لين " - وضبطها كذلك بقلمه - وبمراجعة ترجمته في مصادرها الأصلية والآخذة عنها تبين أن أبا حاتم قال فيه 8 (108): " هو منكر الحديث، ضعيف الحديث "، فلم يقل فيه أحد (لين)، وحاله أشد ضعفا من حال من فيه تليين. وحصل له نحو هذا في محمد بن فليح (5116).
ولم أضبط أبدا كلمة " لين " لا بفتح اللام ولا بضمها، لاحتمال رسمها الوجهين، ويترتب عليه اختلاف المعنيين، هل هي بفتح اللام، وتكون حكما من المصنف على الرجل، أو بضم اللام، وتكون حكاية منه لقول الآخرين المتقدمين؟ وإن كنت أرجح أنها بضم اللام، على شاكلة استعماله الألفاظ الأخرى: وثق، صدق، ضعف، فإنها لا تحتمل وجها آخر، ولكون المصنف ضبطها كذلك في الموضع المشار إليه (5041).
وقد استعمل " لين " - كما رأيت - فيمن بلغ مرتبة التليين وزيادة.
واستعمل " ضعف " في إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر، وقد اتفق على تضعيفه، بل استعملها في سليمان بن عبد الحميد البهراني موضع قول النسائي: " كذاب ليس بثقة "!
فلا بد من مراجعة المصادر الأصلية، أو المصادر التي تعنى بنقل ألفاظ الجرح والتعديل بدقة، ومنها كتاب الإمام المزي " تهذيب الكمال " - غالبا -.