الكاشف في معرفة من له رواية في كتب الستة - الذهبي - ج ١ - الصفحة ٣٧
ثم إنه اشتهر أن ابن معين يسوي بين " لا بأس به و " ثقة ". شهر ذلك عنه الإمام ابن الصلاح في " مقدمته " في النوع الثالث والعشرين: معرفة من تقبل روايته ومن ترد، تحت المسألة الخامسة عشرة ص 134 من حاشية العراقي عليه، معتمدا على ما حكاه عن ابن معين تلميذه وراويته ابن أبي خيثمة، قال: " قال ابن أبي خيثمة: قلت ليحيى بن معين: إنك تقول: فلان ليس به بأس، وفلان ضعيف، قال: إذا قلت لك " ليس به بأس ": فهو ثقة، وإذا قلت لك " هو ضعيف " فليس بثقة، لا تكتب حديثه ".
ولم يحك هذه التسوية عن ابن معين أحد قبل ابن الصلاح، وتوبع على ذلك، ويبدو لي في هذا الحكم وقفة. فالتأمل في القصة يفيد أن ابن معين أراد في الشطر الأول من كلامه القبول العام، كما أنه أراد في الشطر الثاني الرد العام، فهو لم يرد من قوله: " فهو ثقة ": الثقة الاصطلاحية، إنما أراد القبول الشامل للثقة، ومن دونه بقليل بحيث لا يخرج عن دائرة القبول: ثقة، قوي، صدوق، لا بأس به.
وأراد بقوله: " ليس بثقة ": غير مقبول، ولم يرد المرتبة الشديدة الضعف التي ينفي عن صاحبها العدالة والضبط معا، فهي كقولنا: متروك، ساقط، واهي الحديث. وإلا للزم أن نقول: من قال فيه ابن معين " ضعيف ": فهو غير ثقة، أي: من المرتبة الثالثة من مراتب الجرح، في حين أن كلمة (ضعيف) من ألفاظ المرتبة الخامسة.
وخالفه العراقي في " شرح ألفيته " 2: 7 في التسوية بين: لا بأس به، وثقة (1)، فقال: " قلت: ولم يقل ابن معين: إن قولي: ليس به بأس كقولي: ثقة، حتى يلزم منه التساوي بين اللفظين، إنما قال: إن من قال فيه هذا: فهو ثقة، وللثقة مراتب، فالتعبير عنه بقولهم (ثقة) أرفع من التعبير عنه بأنه لا بأس به، وإن اشتركا في مطلق الثقة. والله أعلم ". وتابعه الكمال ابن الهمام في " التحرير " 2: 248. بشرح ابن أمير حاج عليه.
ويدل على أن " لا بأس به ": دون " ثقة ": ما جاء في " تاريخ عثمان بن سعيد الدارمي " (244 - 246):
" وسألته عن مندل بن علي؟ فقال: ليس به بأس. قلت: وأخوه حبان بن علي؟ فقال: صدوق. قلت: أيهما أحب إليك؟ فقال: كلاهما وتمرا. كأنه يضعفهما " (2).
فانظر كيف سوى بين: صدوق، ولا بأس به، فقال: " كلاهما وتمرا "، وانظر إلى تعليق الدارمي عليه:
(٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 ... » »»
الفهرست