وفد أبو موسى وفدا من أهل البصرة إلى عمر بن الخطاب فيهم الأحنف بن قيس فلما قدموا على عمر تكلم (1) كل رجل منهم في خاصة نفسه وكان الأحنف في آخر القوم فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي (صلى الله عليه وسلم) ثم قال أما بعد يا أمير المؤمنين فإن أهل مصر نزلوا منازل فرعون وأصحابه وإن أهل الشام نزلوا منازل قيصر وإن أهل الكوفة (2) نزلوا منازل كسرى ومصانعه في الأنهار العذبة والجنان المخصبة وفي مثل عين البعير وكالحوار (3) في السلى تأتيهم ثمارهم قبل أن تبلغ وإن أهل البصرة نزلوا في أرض سبخة زعقة نشاشة (4) لا يجف ترابها ولا ينبت مرعاها طرفها في بحر أجاج والطرف الآخر في الفلاة لا يأتينا شئ إلا في مثل مرئ النعامة فارفع خسيستنا وانعش وكيستنا وزد في عيالنا وفي رجالنا رجالا وضع درهمنا وأكثر فقيرنا ومر لنا بنهر نستعذب منه الماء فقال عمر عجزتم أن تكونوا مثل هذا هذا والله السيد فما زلت أسمعها بعد أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي أنا أبو علي محمد بن محمد أنبأ علي بن أحمد بن عمر بن حفص أنا محمد بن أحمد بن الحسن نا الحسن بن علي القطان نا إسماعيل بن عيسى العطار أنا إسحاق بن بشر قال وكان أبو موسى حين قدم على عمر فسأله عما كان رفع إليه من أمره أحب أن يبحث عنه فلم يقم أحد فلقنه الكلام فقام الأحنف بن قيس وكان من أشبههم فقال يا أمير المؤمنين صاحبك مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في مواطن الحق وعاملك ولم ير منه إلا خيرا وإنا أناس بين سبخة وبين بحر أجاج لا يأتينا طعامنا إلا في مثل حلقوم النعامة فأعد لنا فقيرنا ودرهمنا فأعجب منه ذلك عمر وعرض عنه لحداثة سنة فقال له اجلس يا أحنف وكان برجله حنف فكذلك سماه الأحنف فغلب لقبه على اسمه وكانت أمه تهدهده في صغره وهي تقول:
* والله لولا حنف برجله * لم يكن في الحي غلام مثله *