شرح السير الكبير - السرخسي - ج ١ - الصفحة ٩٩
وأما في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كانت الهدية له، فان عزته ومنعته لم تكن بالمسلمين. قال الله تعالى: {والله يعصمك من الناس} (1) وما كان في حقه توهم الركون بقلبه إذا قبل هداياهم، فلهذا قبلها في بعض الأوقات.
واختلفت الصحابة رضي الله عنه ومن بعدهم في جواز قبول (2) الهدية من أمراء الجور، فكان ابن عباس وابن عمر (3) رضى عنهم يقبلان هدية المختار، وهكذا نقل عن إبراهيم النخعي. وكان أبو ذر وأبو الدرداء رضي الله عنهما لا يجوزان ذلك. حتى روى أن أمير أهدى إلى أبي ذر رضي الله عنه مئة دينار فجعل يقول: هل أهدى إلى كل مسلم مثل هذا؟ فقيل: لا.
فردها وقال: {كلا، إنها لظى: نزاعة للشوى} (4).
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: للسلطان نصيب من الحلال والحرام، فإذا أعطاك شيئا فخذه فان ما يعطيه حلال لك.
وحاصل المذهب فيه أنه إن كان أكثر ماله من الرشوة والحرام لم يحل قبول الجائزة منه ما لم يعلم أن ذلك له من وجه حلال. وإن كان صاحب تجارة أو زرع أكثر ماله من ذلك فلا بأس بقبول الجائزة منه ما لم يعلم أن ذلك كله وجه حرام.
وفى قبول رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدية من بعض المشركين دليل على ما ذكرنا. وبالله التوفيق.

(1) سورة المائدة، 5، الآية 67.
(2) ه‍، ط " قبول هدية من أمير من أمراء الجور ".
(3) " ابن عمر " ساقطة من ط.
(4) سورة المعارج، 70، الآية 15، 16.
(٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 ... » »»