شرح السير الكبير - السرخسي - ج ١ - الصفحة ٢٣١
292 - فإن جابرا روى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على شهداء أحد. وأكثر الصحابة يروون أنه صلى عليهم، حتى رووا أنه صلى على حمزة رضي الله عنه سبعين صلاة. كان موضوعا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما أتى رجل صلى عليه وعلى حمزة معه.
وكان جابر رضي الله عنه يومئذ قتل أبوه وخاله. فكان مشغولا بهما، لم يشهد صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الشهداء، على ما روى أنه حملهما إلى المدينة فنادى منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ادفنوا القتلى في مضاجعهم. فردهما.
ولا شك أن توهم الغلط في روايته أظهر.
293 - ثم أهل المدينة يقولون: إن الصلاة على الميت استغفار له وترحم عليه، والشهيد يستغنى عن ذلك، فإن السيف محاء للذنوب.
ونحن نقول: الصلاة على الميت من حق المسلم على المسلم كرامة له، والشهيد أولى بهذه الكرامة. ولا إشكال أن درجة الشهيد دون درجة من غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وقد صلى عليه أصحابه، والناس يقولون: وارحم محمد وآل محمد في الصلاة، فعلمنا أنه لا يبلغ الشهيد درجة يستغنى بها عن استغفار المؤمنين والدعاء بالرحمة له. ومن يقول منهم إن الشهيد حي بالنص ولا يصلى على الحي فهذا ضعيف أيضا، لأنه حي في أحكام الآخرة فأما في أحكام الدنيا فهو ميت في حقنا، يقسم ميراثه، ويجوز لزوجته أن تتزوج بعد انقضاء العدة. والصلاة على الميت من أحكام الدنيا إلا أنه لا يغسل ليكون ما عليه شاهدا له على خصمه يوم القيامة.
(٢٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 226 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 ... » »»