شرح السير الكبير - السرخسي - ج ١ - الصفحة ١٦٦
الطاعة ما لم يأمرهم بأمر يخافون فيه الهلكة، وعلى ذلك أكثر (1) رأى جماعتهم لا يشكون في ذلك. فإذا كان هكذا فلا طاعة له عليهم لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ".
وفى حديث على رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية وأمر عليهم أميرا. فغضب عليهم أميرهم فأجج نارا وقال: قد أمرتم بطاعتي فاقتحموها. فمنهم من قال: ندخلها. ومنهم من قال: لا ندخلها، فانا أسلمنا فرارا من النار. فلما رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبروه بذلك فقال: " لو دخلوها ما خرجوا منها أبدا. إنما الطاعة في المعروف لا في المنكر ".
ومعنى قوله: ما خرجوا منها، أي ينقلون منها إلى نار جهنم، ثم أكبر الرأي فيما لا يمكن الوقوف على حقيقته بمنزلة الحقيقة.
167 - فإذا كان عندهم أنهم لو أطاعوه هلكوا كان أمره إياهم بذلك قصدا منه إهلاكهم واستخفافا بهم. وقد ذم الله تعالى الطاعة في ذلك فقال {فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين} (2) 168 - وإن كان الناس في ذلك الامر مختلفين فمنهم من يقول فيه الهلكة ومنهم من يقول فيه النجاة فليطيعوا الأمير في ذلك.
لان الاجتهاد لا يعارض النص، ولان الامتناع من الطاعة فتح لسان الأئمة (3) عليهم، وفى إظهار الطاعة قطع ذلك عنهم، فعليهم أن يطيعوه.

(1) ط، ق " أكبر ".
(2) سورة الزخرف، 43، الآية 54.
(3) ب، أ، ه‍ " الأئمة ".
(١٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 ... » »»