يعنى لا ينبغي له أن يعاقبه في المرة الأولى لان هذه عثرة منه - وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم (1) "، ولكن يتقدم إليه وإلى الجند جميعا أنه يؤدب من خالف أمره بعد ذلك، فيكون ذلك إنذارا منه. قال صلى الله عليه وسلم: " قد أعذر من أنذر ".
وبيان هذا في قوله تعالى {وقد قدمت إليكم بالوعيد} (2)، فإن عصاه عاص بعد ذلك من غير عذر فما أحسن أدبه في ذلك ليكون ذلك فطاما له وزجرا لغيره عن إساءة الأدب لمخالفة أمره، فإن امتناع الناس مما لا يحل لمخالفة العقوبة أكثر من امتناعهم خوفا من الله تعالى. وبه ورد الأثر، قال صلى الله عليه وسلم: " إن الله يزع (3) بالسلطان فوق ما يزع بالقرآن " (4).
174 - وإن ادعى عذرا يعتذر به وحلف على ذلك فلا سبيل له عليه، لأنه أخبر بخبر محتمل للصدق (5)، وأكد ذلك بيمينه.
فينبغي أن يكف عنه إذ ليس ها هنا خصم ينازعه في ذلك وإنما لا يجعل اليمين في جانب المدعى في الخصومات، لان الخصم ينازعه في ذلك. والشرع جعل اليمين في جانب المنكر دون المدعى.
175 - وإذا نادى منادى الأمير أن الساقة غدا على أهل الكوفة فلا يتخلفن رجل من أهل الديوان ولا من المطوعة (6). لانهم جميعا رعيته حين خرجوا للجهاد تحت رايته، فعليهم طاعته، إلا أن يكون الامر المشهور أنه إذا نادى بهذا يريد به أهل الديوان خاصة، فحينئذ الثابت بالعرف كالثابت بالنص.