شرح السير الكبير - السرخسي - ج ١ - الصفحة ١٤٠
138 - وذكر عن جبير بن نفير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن مثل الذين يغزون من أمتي ويأخذون الجعل يتقوون به على عدوهم كمثل أم موسى ترضع ولدها وتأخذ أجرها.
يعنى أن الغزاة يعملون لأنفسهم. قال الله تعالى: {إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم} (1) ثم يأخذون الجعل من إخوانهم من المؤمنين ليتقووا به على عدوهم.
وذلك لهم حلال. كما أن أم موسى كانت تعمل لنفسها في إرضاع ولدها وتأخذ الاجر من فرعون تتقوى به على الارضاع، وكان ذلك حلالا لها.
139 - قال: وإذا أعطى الرجل رجلا (2) جعلا على أن يسلم فأسلم فهو مسلم، لأنه وجد منه حقيقة الاسلام وهو التصديق والاقرار.
وباشتراط الجعل لا يتمكن خلل في ذلك، فيحكم باسلامه، سلم له الجعل أو لم يسلم، لان أكثر ما فيه أنه لا يتم رضاه بدون سلامة الجعل له.
وذلك لا يمنع صحة الاسلام، كمن أسلم مكرها. وللذي شرط الجعل أن يمنعه ذلك إن شاء، وإن أعطاه فهو أفضل. لأنه وعد له ذلك. والوفاء بالعهد من أخلاق المؤمنين، وخلف الوعد من أخلاق المنافقين. إلا أن الذي أسلم عامل لنفسه فلا يستوجب الجعل به على (43 آ) غيره، لأنه إنما استوجب الجعل عليه عوض عمله له، والمال لا يكون عوضا عن الاسلام، وهو ليس بعامل له ليستوجب عليه العوض. فما وعد له إما أن يكون رشوة أو صلة لتزداد به رغبته في الاسلام. وواحد منهما لا يتعلق به الاستحقاق قبل التسليم.
فإذا أبى أن يعطيه الجعل فرجع عن الاسلام فهو مرتد، إن لم يرجع إلى الاسلام ضربت عنقه، لقوله صلى الله عليه وسلم " من بدل دينه فاقتلوه ".
وهذا بخلاف المكره على الاسلام إذا ارتد عن الاسلام فإنه لا يقتل

(1) سورة الإسراء، 17، والآية 7.
(2) ط " الرجل ".
(١٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 ... » »»