العلل - أحمد بن حنبل - ج ١ - الصفحة ٥٩
وقال حمدان بن علي: رأيت على أبي عبد الله جبة وعليها رقعة بغير لونها.
وقال المروذي أراد أبو عبد الله أن يرقع قميصه فلم يكن عنده رقعة، فقال: أرقعه من إزاري، فقطعناه من إزاره فرقعناه ولقد احتاج غير مرة إلى خرق فكان يقطع من إزاره، وأعطاني خفا له لارمة قد لبسه سبع عشرة سنة، فإذا فيه خمسة مواضع أو ستة مواضع الخرز فيه من برا.
وهكذا كان لباسه ونعله رحمه الله، وإذا قارنا هذه الحالة بمعيشته وأسباب رزقه فلا نستبعدها فقد كان رحمه الله زاهدا من كبار الزهاد في الدنيا قانعا بالقليل من الكفاف الذي يأتيه من غلة أرضه وبما يأتي من كسب يده وعياله، متعفنا عن قبول الجوائز والهدايا.
زهده وتعففه:
إن زهد أحمد شئ معروف وقد رأينا في نمط عيشه وليله ونهاره، كيف كان يعيش زاهدا بعيدا عن الترف والترفه، ونحن نعتقد أنه لو أراد الدنيا لجاءت إليه تجر أذيالها بالمناصب والولايات، فجده كانت له مكانة مرموقة، وأبوه أيضا كان كذلك في خدمة الدولة الاسلامية العباسية، ثم هو قد بلغ الغاية في العلم والفضل والإمامة له أتباع من الأمراء والعامة يفدونه بأرواحهم فضلا عن أموالهم ويرون شرفا لهم أن يقبل منهم الهدايا، ولكن الامام لم تمد عينه إلى الدنيا وزخارفها. ولم يقبل الولايات والمناصب وآثر الخمول لنفسه واختار التواضع والقناعة بما يسد به حاجته في أدنى درجات المعيشة.
ذكر ابن الجوزي عن الشافعي قوله:
لما دخلت على هارون الرشيد قلت له بعد المخاطبة: إني خلفت اليمن
(٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 ... » »»