العلل - أحمد بن حنبل - ج ١ - الصفحة ٧٠
فلما وصله الكتاب، استدعى جماعة من أئمة الحديث فدعاهم إلى ذلك، فامتنعوا فتهددهم بالضرب وقطع الارزاق فأجاب أكثرهم مكرهين. واستمر على الامتناع الإمام أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح، فحملا على بعير محمل واحد مقيد بين متعادلين.
فلما كان ببلاد الرحبة جاءهما رجل من الاعراب من عبادهم. يقال له جابر بن عمر فسلم على الامام وقال له:
يا هذا إنك وافد الناس فلا تكن شؤما عليهم، وإنك رأس الناس اليوم، فإياك أن تجيبهم إلى ما يدعونك إليه فيجيبوا، فتحمل أوزارهم يوم القيامة. وإن كنت تحب الله فاصبر على ما أنت فيه فإنه ما بينك وبين الجنة إلا أن تقتل. وإنك إن لم تقتل تمت، إن عشت عشت حميدا.
قال الامام: وكان كلامه مما قوى عزمي على ما أنا فيه من الامتناع.
فلما اقتربا من جيش الخلافة ونزلوا دونه بمرحلة جاء خادم وهو يمسح دموعه بطرف ثوبه ويقول:
يعز علي يا أبا عبد الله أن المأمون قد سل سيفا لم يسله قبل ذلك، وأنه يقسم بقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم: لئن لم تحبه إلى القول بخلق القرآن ليقتلنك بذلك السيف.
قال: فجثى الإمام أحمد على ركبتيه ورمق بطرفه إلى السماء وقال:
سيدي غر حلمك هذا الفاجر حتى تجرأ على أوليائك بالضرب والقتل.
اللهم فإن يكن كلامك غير مخلوق فاكفنا مؤنته.
قال: فجاءهم الصريخ بموت المأمون في الثلث الأخير من الليل.
قال أحمد: ففرحنا، ثم جاء الخير بأن المعتصم قد ولي الخلافة وقد
(٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 ... » »»