كان أحمد رضي الله عنه خلف له أبوه طرز (أي حوانيت للحياكة، تحاك فيها الثياب) ودارا يسكنها وكان يكري تلك الطرز ويتعفف بكرائها عن الناس. ويبدو أنه كان يكري جزء من الدار أيضا، وإن أجرة هذه الطرز والدار لم تكن كافية لسد حاجته. كما يظهر مما ذكر محمد بن يونس البلدي قال: كنت جالسا مع أبي عبد الله فجاءه بعض سكانه بدرهم ونصف، فلما وقع في يده تركني، وقام فدخل إلى منزله، ورأيت السرور في وجهه، فظننت أنه كان قد أعده لحاجة مهمة. ولما لم تكن هذه الغلة كافية لنفقته كان يخرج إلى اللقاط.
قال أبو جعفر الطرسوسي حدثني الذي نزل عليه أبو عبد الله قال لما نزل علي خرج في اللقاط، فجاء وقد لقط شيئا يسيرا، فقلت له: قد أكلت أكثر مما قد لقطت، فقال: رأيت أمرا استحييت منه رأيتهم يلقطون، فيقوم الرجل على أربع، وكنت أنحف إذا لقطت.
وقال أبو بكر المروذي. قال لي أبو عبد الله: خرجت إلى الثغر على قدمي، فالتقطنا، وقد رأيت قوما يفسدون مزارع الناس، لا ينبغي لاحد أن يدخل مزرعة رجل إلا بإذنه.
وقال إسحاق بن راهويه: كنت أنا وأحمد باليمن عند عبد الرزاق وكنت أنا فوق الغرفة، وهو أسفل. وكنت إذا جئت إلى موضع، اشتريت جارية، قال: فاطلعت على أن نفقته فنيت، فعرضت عليه. فامتنع.
فقلت: إن شئت قرضا وإن شئت صلة، فأبى، فنظرت فإذا هو ينسج التكك، ويبيع وينفق.
وقد تقدم أنه احتاج في بعض أيامه فأكرى نفسه من الحمالين. وربما احتاج وأعوزه الفقر. فكان ينسخ الكتب للناس بأجرة فقد سبق أن ذكر