كليات في علم الرجال - الشيخ السبحاني - الصفحة ١٥٥
صلى الله عليه وآله وقد سئل عن الشهادة، قال: " هل ترى الشمس؟ على مثلها فاشهد أو دع " (1).
هذا إذا قلنا بأن العمل بقول الرجالي من باب الشهادة، وأما إذا قلنا بأن الرجوع إليهم من باب الرجوع إلى أهل الخبرة، فإجمال الكلام فيه أنه لا يشترط في الاعتماد على قول أهل الخبرة أن يكون نظره مستندا إلى الحس، فإن قول المقوم حجة في الخسارات وغيرها، ولا شك أن التقويم لا يمكن أن يكون مستندا إلى الحس في عامة الموارد. وعلى ذلك فلو كان الرجوع إلى علماء الرجال من ذاك الباب، فالرجوع إلى أعلام المتأخرين المتخصصين في تمييز الثقة عن غيره بالطرق والقرائن المفيدة للاطمئنان مما لا بأس به.
وما يقال من أن الفقيه غير معذور في التقليد، فيجب على الفقيه أن يكون بنفسه ذا خبرة في التعرف على أحوال الرواة، غير تام، لان تحصيل الخبروية في كل ما يرجع إلى الاستنباط أمر عسير، لو لم يكن بمستحيل، فإن مقدمات الاستنباط كثيرة، وقد أنهاها بعضهم إلى أربعة عشر فنا، ولا يمكن للمجتهد في هذه الأيام أن يكون متخصصا في كل واحد من هذه الفنون، بل يجوز أن يرجع في بعض المقدمات البعيدة أو القريبة إلى المتخصصين الموثوق بهم في ذاك الفن، وقد جرت على ذلك سيرة الفقهاء، بالأخص في ما يرجع إلى الأدب العربي ولغات القرآن والسنة وغير ذلك، وليكن منها تمييز الثقة عن غيره. هذا على القول بأن الرجوع إلى أهل الرجال من باب الرجوع إلى أهل الخبرة الموثوق بقولهم.
وهناك وجه ثالث في توثيقات المتأخرين، وهو أن الحجة هو الخبر الموثوق بصدوره عن المعصوم عليه السلام لا خصوص خبر الثقة، وبينهما فرق واضح، إذ لو قلنا بأن الحجة قول الثقة يكون المناط وثاقة الرجل وإن لم يكن نفس الخبر موثوقا بالصدور.

(1) المصدر السابق.
(١٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 149 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 ... » »»
الفهرست